Main content

بقلم رنا شعيتو وترجمة غسان مكارم

بينما يعاني الإقتصاد العالمي من أجل الصمود بوجه المضاعفات المرتبطة بإنتشار جائحة كوفيد-١٩، على الإقتصاديين/ات إعادة النظر في النظم الإقتصادية القائمة التي تحكم حياتنا. قدّمت هذه الضربة غير المتوقعة للإقتصاد العالمي أدلّة إضافية على فشل السياسات والممارسات الحالية في تلبية الإحتياجات الضرورية للضعفاء والمهمشين/ات، وأدّت إلى تسليط الضوء على تمادي الصراعات الطبقية والجندرية.

بُذلت جهود بحثية مكثفة منذ الستينيات للوصول إلى فهم أمثل للفوارق الإجتماعية والإقتصادية بين الجنسين وكيفية القضاء عليها. حقق العالم تقدماً ملموساً في معالجة المظالم الإقتصادية التي تتحملها النساء، لكنه يبقى بعيدًا كل البعد عن تقدير عملهن بشكل واف، وخاصة العمل المنزلي والأسري.

نظرية القيمة لدى ماركس: العمل غير المأجور يضاعف أرباح رأس المال

تؤمّن النظرية الماركسية للقيمة نظرة ثاقبة على كيفية إدامة الإستغلال الإقتصادي للنساء في ظل الرأسمالية، وتقول فرضيتها الرئيسية أنه يتم إستغلال كافة العمال والعاملات في ظل الرأسمالية، لكن البعض يعاني من إستغلال أكبر من الذي يعانيه البعض الآخر. فالعمل يُنتج قيمة معينة تقاس بمقدار وقت-العمل، يأخذها الرأسمالي على شكل فائض. وعندما يكون تعويض النساء عن عملهن ضعيفًا (أجور أقل من الرجال) أو غير موجودة (عمل منزلي)، يُنتج هذا مباشرة إرتفاعًا في قيمة الفائض وزيادة في الربح الرأسمالي. وبالتالي، فإن من مصلحة المجتمع الرأسمالي الحفاظ على العلاقات الإجتماعية الأبوية وإدامة عدم تعويض المرأة عن عملها.

"العلاقة بين الرجال والنساء تشبه العلاقة بين البروليتاريا والبورجوازية."

في كتابه "أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة"، يفسّر فريدريش إنجلز التأثير الضار للتحول من الإقطاع إلى مجتمع الملكية الخاصة على إنخراط النساء في سياقات العمل بأجر، حيث حكم نظام الملكية الخاصة على الأفراد الذين لا يملكون الأراضي أو أي وسائل إنتاج أخرى بمصير من العبودية، أي العمل لحساب أصحاب الأرض. وقد أدى هذا حتمًا إلى نشوء مجالات عامة وخاصة أحالت النساء إلى المنازل وتتيح الوصول إلى العمل المأجور للرجال فقط من دون مبرر. وبهذه الطريقة، قدّم إضطهاد النساء خدمة للطبقة السائدة وجعل العلاقة بين الرجال والنساء شبيهة بالعلاقة بين البروليتاريا والبورجوازية.

تاريخيًا، قام الإستعمار بتسهيل هذا التلاقي بين النظام الأبوي ورأس المال، الذي يعزز قهر النساء بشكل منهجي وهيكلي. وأدى التوسع إلى البلدان المستَعمرة وذات التحديات الإقتصادية إلى إستغلال عمل نساء - وخاصة "نساء العالم الثالث". وتم فرض التقسيم الجنسي للعمل في المستعمرات كوسيلة للسيطرة على التكاثر وبالتالي العمل. وتشرح ماريا ميس في كتابها "البطريركية والتراكم على العمالة على مستوى عالمي" أن تكريس عزل النساء المتعمد في المجالات الخاصة لأسرهن يهدف إلى خفض أجورهن وإستغلال عملهن المنزلي. صاغت ميس مصطلح "التحويل إلى ربّة منزل" (Housewifization) لوصف الإستبعاد الإقتصادي القمعي للنساء وإستغلال عملهن في المستعمرات الخارجية المباشرة كما المستعمرة الداخلية لمنازلهن. وتقول سيلفيا فريدريشي في كتابها "كاليبان والساحرة": "(هناك) ... علاقة سببية مباشرة بين الإمتداد العالمي للعلاقات الرأسمالية وتصاعد العنف ضد النساء، كعقوبة ضد مقاومتهن للإستيلاء على أجسادهن وعملهن."

قوّة النساء - "عاهرات وزوجات وسحاقيات"

بمرور الوقت، برزت عدّة حركات إستجابة للظلم الإقتصادي القائم على النوع الإجتماعي/الجندر، أبرزها "الحملة الدولية للعمل المنزلي مقابل أجر"، بقيادة التجمّع النسوي الدولي عام ١٩٧٢، والتي بدأت في إيطاليا ثم إنتقلت إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. إعتُبرت المطالبة بأجر مقابل الإنجاب والعمل المنزلي أمرًا ثوريًا ومستنيرًا على عدّة جبهات. إن الاعتراف بالنساء خارج قوة العمل المأجورة كعاملات يعزز مكانتهن بشكل كبير، وهذا يعني إمكانية التفاوض على كمية ونوعية خدماتهن وحتى رفض هذا العمل من الأساس. كانت لحظة توحّد فيها النضال النسوي التاريخي، حيث أدركت النساء في سياقات العمل المأجورة وغير المأجورة، والنساء من جميع الألوان والجنسيات والتوجهات الجنسية والطبقات الإجتماعية ومجالات الحياة كافة، وحدة صراعهنّ.

مؤخرًا، تم تنظيم إضراب تحت عنوان "يوم بلا إمرأة"، إستُلهم من إضراب "يوم بلا مهاجرين/ات"، وذلك في أكثر من ٥٠ دولة و٤٠٠ مدينة حول العالم بالتزامن مع يوم المرأة العالمي في ٨ آذار ٢٠١٧، وقد حظي على تأييد أنجيلا ديفيس وليندا صرصور من بين الناشطات السياسيات. طُلب من النساء أخذ يوم عطلة مدفوعة أو غير مدفوعة الأجر في ذلك اليوم، سعيًا للإعتراف بعمل المرأة وتعزيز قيمته. أخذت المشاركة أشكالًا أخرى، مثل إرتداء اللون الأحمر للتضامن والتسوق حصراً من الشركات الصغيرة والشركات المملوكة للنساء والأقليات.

ثنائية الإستغلال والإستهجان: هل يصمد لبنان يوم من دون نساء؟

إحتل لبنان في عام ٢٠٢٠ المرتبة ١٤٥ من إجمالي ١٥٣ دولة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين، الذي يُقاس من خلال النظر إلى الفوارق الصحية والتعليمية والإقتصادية والسياسية بين النساء والرجال في بلد معين. وعلى الرغم من تحقيق لبنان بعض التحسينات في السنوات الأخيرة في مجال ردم الفجوة بين الجنسين، خاصة تعيين ستة سيدات في مناصب وزارية، بما في ذلك نيابة رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، الطريق ما يزال طويلًا. تواجه النساء في لبنان عقبات قانونية وإجتماعية ومؤسسية تضعهن في وضع غير مواتٍ إقتصاديًا، وبالإضافة إلى غياب التعويض عن الرعاية والعمل المنزلي، يتم إخضاع النساء في لبنان في ساحة العمل المدفوع الأجر، من خلال محدودية إستفادتهن من خدمات الإئتمان وملكية الأراضي والمنتجات المالية.

في العام ٢٠١٥، أطلقت وزارة الصحة العامة في لبنان حملة وطنية لتشجيع الرضاعة الطبيعية تحت شعار: "لا بديل عن حليب الأم"، ويتم تنشيط هذه الحملة سنويًا للتذكير بأهمية فعل الرعاية، وهي تعتمد على تجييش العواطف والتهديد بالمطاردة القانونية لمصنّعي ومورّدي حليب الأطفال (القانون رقم ٤٧ حول "تنظيم تسويق منتجات تغذية الرضيع والوليد ووسائلها (وأدواتها)"، المادة ٨: "عدم تسويق المنتجات في المنشآت الصحية ومنها التي توزّع مجاناً أو بأسعار مخفضة"). كما تتهم الحملة النساء بالتقصير في أداء واجباتهن - والتي عند أدائها، لا تحظى بالتقدير. الحملة عبارة عن تكرار ساذج للخيارات المتاحة أمام النساء: (١) أداء الأعمال المنزلية والرعاية والتعرّض للإستغلال، (٢) عدم أداء الأعمال المنزلية والرعاية والإدانة بالإهمال. ليست هذه بحالة فريدة، فقد سبق لوزارة التربية والتعليم في ظل الوزير أكرم شهيب أن أعلنت في العام ٢٠١٩ السماح للمرأة بتقديم طلبات إنهاء الخدمة للتفرّغ للواجبات العائلية والزوجية.

ورغم أن الرضاعة الطبيعية لا يمكن القيام بها إلا من قبل النساء، هناك أشكال كثيرة من العمل المنزلي والرعاية المتوقعة من النساء والتي يمكن للرجال القيام بها. في المحصّلة، يكمن الهدف في وضع حد للمفاهيم التي تُنتج الوصم وللأدوار الجندرية الصارمة التي تؤدي إلى توقع قيام المرأة بالأعمال المنزلية وإستغلالها في النهاية. إن تحرير النساء من أغلال التوقعات الأبوية أمر حيوي للوصول للعدالة الإقتصادية.

"إن الحفاظ على الذاكرة التاريخية أمر حيوي إذا ما أردنا إيجاد بديل للرأسمالية، لأن هذا الإحتمال سيعتمد على قدرتنا على سماع أصوات أولئك الذين أخذوا مسارات مماثلة." سيلفيا فريدريشي

Women’s Care and Domestic Labor: Invaluable, With a Price Tag

حازت رنا شعيتو درجة البكالوريوس في الإقتصاد من الجامعة اللبنانية الأمريكية في العام ٢٠١٨. تحرص شعيتو في عملها كخبيرة إقتصادية وباحثة ناشئة على السعي من أجل تحدي الأنظمة والسياسات الإقتصادية الإقصائية والمساهمة في إستمرار الظلم.

المراجع:

1. Benston, M. (1969) “The Political Economy of Women’s Liberation,” Monthly Review 21, no. 4
2. Engels, F. (1820-1895). The Origin of the Family, Private Property and the State
أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، فريدريش إنجلز
3. Frederici, S. (1998) Caliban and the Witch
4. Marx, K. (1844). The economic and philosophical manuscripts.
5. Marx, K., & Engels, F. (1967). Capital: A critique of political economy
رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي، كارل ماركس
6. Mies, M (1986) Patriarchy and Accumulation on a World Scale
7. Vogel, L. (1983) Marxism and the Oppression of Women: Toward a Unitary Theory
8. https://www.moph.gov.lb/ar/Media/view/8225/%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%AC%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%A9-2016
9. https://www.plutobooks.com/blog/wages-housework-campaign-history/