Main content

بقلم نايا رجب

يقولون أنه نسخة مبالغ فيها عن المثليين/ات. نحن نقول أنّها الطريقة التي نعرّف بها عن أنفسنا.
يسمونه تنكّراً أما نحن فنسميه تنوعاً إجتماعياً.
كل متغير/ة نوع إجتماعي عرضة للتحرش، والعنف، والقمع.
المزيد من الإنتهاكات؟ المزيد من الوصم. لا شيء أقوى من الوصمة في زعزعة السلم النفسي للأشخاص،
وتعزيز الإحساس بعدم تقبل الذات.
أشكال الإنفعال، والتعصب الفكري، الإنتحار: أمراض مجتمع تستهدف متغيري/ات النوع الإجتماعي.

 

في الكثير من الأحيان ي/تشعر الذين/اللواتي يحملون/تحملن هويات جندرية معينة بصعوبة في التعبير عن أنفسهن/م والمطالبة بحقوقهن/م، وهذا ناتج عن التعصب وعدم تقبل الإختلاف في المجتمع وهيمنة النظام الأبوي، عوضاً عن مقاربته كطريقة التعبير التي يعرف بها الأشخاص عن أحاسيسهم/ن ونوعهم/ن الإجتماعي. فعبور النوع الإجتماعي حق إنساني طبيعي وجزء لا يتجزأ من الحريات الشخصية. إلا أنّ المجتمع ينظر إلى العابري/ات كمخلوقات أو أدوات لتلبية الكبت والتنفيس عن الغضب والشهوات المتفاقمة، مؤدياً إلى فصل المحصلة النهائية لنضال العابرين/ات عن النضال نفسه، وبالتالي تفويت أهميته ومعناه بتمويه وتحويل الدور المفروض على العابرين/ات والأفكار المسبقة الملفقة على عاتقهن/م، ودور النظام الذكوري في ترسيخ هذه الفكرة التي تم نسبها إليهن/م.

أن ترفضك عائلتك وتفقد/ي أصدقائك، ألا تتمكن/ي من الدراسة والحصول على الشهادات، ألا تجد/ي عملاً يتقبلك بعد إتخاذك لأهم وأصعب قرار في حياتك: العيش والتعبير عن نفسك بالهوية الجندرية التي تفضله/ تفضلينها. الآن مأواك الشارع، والتحرشات والصفات المهينة تنتظرك في كل مكان. الأماكن العامة أصبحت ساحة معركة ومعاناة، ناهيك عن تهميشك في ما يتعلّق بالوصول للخدمات الإجتماعية، الإعتداءات الجنسية والجسدية. بهذه الكلمات يمكننا إختصار تجربة العابرين/ات بمجرد ظهورهن/م إلى الفضاء العام.

من هنا نبدأ بسؤال أنفسنا: ما الفرق الذي سيحدثه تقبل المجتمع لنا؟ قد نتفق على أنه سيحدث فرقاً كبيراً، خصوصاً للعابرين/ات الذين/اللواتي ليس لديهم/ن أي خيار سوى الخروج من النوع الإجتماعي الذي فرض عليهم/ن. بالنسبة لنا، هناك طرق أخرى لتحقيق العدالة الإجتماعية، وآخر ما نريده هو تعريف أنفسنا بوصفنا شواذ او آلات جنسية، وهي حياة نتفق على أنها أسوء من الموت إن جاز التعبير. لكن المشكلة في وجهة النظر هذه أننا دائماً ما نضيف في خيالنا القليل من الأمل إلى هذا المصير السيء الذي فرضه المجتمع علينا. نسأل أنفسنا ماذا بعد؟ على إفتراض أننا نستطيع المحاربة والمقاومة لتحصيل حقوقنا الإجتماعية والمدنية يوماً ما من دون إحداث ثورة وإنتفاضة في كافة علاقاتنا الإجتماعية والأسرية كجزء من مسيرة النضال. نقنع أنفسنا أنّنا لا نحتاج شيئاً لأننا سلمنا وقبلنا مختلف أشكال بغاء الجسد والعنف والإنتهاكات التي نحصّل من خلالها على رغيف خبز أو مكان يقينا لوعة الشتاء. وكما سأحاول تبيانه هنا فإن الحق في العيش بكرامة مع كافة الحقوق ليست وجهة ثورية وحسب، بل هي المنظور الثوري من وجهة نظر حقوق الإنسان للحريات الشخصية والجسدية، وبالتالي مجتمع العابرين/ات برمته.

الأماكن العامة أصبحت خطراً، هربنا من منازلنا وبلادنا، لا نجد ملاذاً، يستغلوننا ويهتفون بإسمنا، نسبة كبيرة منا اغتصبوا/ن والأخرى ليس لديهم/ن عمل ولا منزل.

على لسان سام١: إستأجرت غرفة بمنطقة النبعة٢، في أغلب الأوقات بترك باب المنزل مفتوح لأن البيت مشترك. كانوا جيراني يستغلوا الفرصة للدخول وممارسة التحرشات المقرفة، ويقضوا شهواتهم الجنسية. أشخاص من الشارع بيلحقوني وبيشتموني وبيستهزؤوا فيي، ما فيني إعمل شي، ما فيني إحكي أو رد، لازم ضل ساكتة وأعطيهم طلبن الجنسي وهاد كلو بس لأني امرأة عابرة وأوراقي غير قانونية بلبنان. بيوم من الأيام خطفوني شبين بسيارة لما كنت نام بالشارع، ولما شافوني ترانس* اغتصبوني وضربوني، فبعدها قررت دوّر على بيت مع إنو ما كان معي مصاري. لما لقيت بيت ما كان فيني إدفع الأجار فصار صاحب الشقة ينام معي ويغتصبني بس لأني ما دفعت. هاد كله وما حكينا عن التكسي، أو لما إرجع متأخرة. كل ما إنوي إني إسكن ببيت لازم أعمل ألف قصة وقصة لحتان ما يتحرشوا فيني، ودايماً السبب إذا ما بنام معن ما بيخلوني إستأجر. هاد جزء بسيط من يلي عم يواجه النساء العابرات.
كاتبة السطور إمرأة عابرة، تعرضت لكافة أشكال التمييز والعنف بدءاً من الرجال المغايرين السيس٣ الذين  ينظرون إليها دوماً كشاذة، كآلة للتنفيس عن الغضب والشهوات التي يحملونها، كدمية يستهزئون بها متى ما شاءوا، والنساء المغايرات اللاتي ينظرن إليها كرجل يحاول إقتحام مساحاتهن الخاصة، وإنتحال شخصيتهن لكسب التعاطف، وحتى التمييز من المثليين/ات الذين/اللواتي ينظرون للعابرين/ات كخدم بين أيديهم/ن، أو كنسخة مبالغ فيها عن المثليين/ات، أو حتى كمرضى نفسيين، معيدين بذلك إنتاج نفس الوصمة التي عانوا منها في الماضي.
ومن هنا ننتقل إلى العلاقات العاطفية وإختيار الشريك المناسب، ففي الآونة الأخيرة أصبحنا نواجه الكثير من الاستغلال العاطفي والجنسي والمادي تحت مسمى الحب. فإذا نظرنا الى الأشخاص العابرين/ات الذين/اللواتي جاءوا إلى لبنان هرباً من القمع والتهميش لطلب اللجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين/ات وجدنا حالات عديدة من الإستغلال على يد شريك/ة، سواء للإستفادة من فرصة السفر، أو جعلهم/ن يعملن/يعملوا بالجنس، أو حتى لمقاسمتهم/ن مبلغ الطوارئ الذي تمنحه المفوضية لطالبي اللجوء البالغ ٢٠٠$، عدا عن الإستغلال الجنسي الذي يوجهونه في السرير.
بهجت٤: كانت٥ تحبني كتير، إلتقينا ببيروت وتعرفنا على بعض، كنت كتير محتاج حدن يكون جنبي ويدعمني. بعد فترة، عرضت علي إنو نفوت بعلاقة، تواعدنا وعشنا ببيت واحد، أنا كنت مقدم لجوء بمفوضية الأمم. كانت باردة معي بالعلاقة الحميمية، كنت حس إنها ما بدها تمارس معي الجنس، ولما يكون بدها حسها كانت تغتصبني. سجلتها بملفي بالأمم لنسافر مع بعض. بعد فترة إتصلت فيني المفوضية وخبرتني إنو نقبل ملفي للسفر، أنا كتير فرحت وهي كمان. بعد تلت شهور سافرنا، أول ما وصلنا ضربتني كف وقالت: "شو يا شاذة، نشالله فكرتيني بحبك، لك أنا ستريت وما بنام مع متحولين لك بكرهك، بس إستعملتك لسافر وعيش مبسوطة بلبنان، بلا قرف". تركتني وطلعت من المطار كان في شب ناطرها هنيك، دمرتني وإستغلت ظرفي من شان جشعها وأنانيتها.
السؤال هنا: هل هذا نتيجة تقبلنا أنفسنا، أم أنه عقابنا على شيء خلق فينا؟

كفاحنا للحصول على الخدمات الإجتماعية
هنا نقول وبأعلى صوت لدينا، لا للتهميش لا للتمييز لا لمنعنا من حقوقنا المدنية، فنحن نعاني أضعاف ما يعانيه سوانا في هذا المجتمع، من الحرمان بأبسط الخدمات كالصحة، الخدمات القانونية، قوانين الأحوال الشخصية، العمل وضمان الشيخوخة، و/أو نظام الكفالة. بالرغم من هذا الحرمان إلّا أنّنا نثابر في سعينا للحصول عليها، ولهذا الهدف نحتاج إلى القوة والتضامن من كافة الجمعيات والمبادرات والنوادي التي يتقاطع نضالها مع نضالنا، لا بدّ لنا من تبنّي الفكر الراديكالي أحياناً لتحقيق العدالة الإجتماعية والمطالبة بالخدمات التي تسلب منا وتذهب إلى حقائب المسؤولين. لا بدّ لنا من الكفاح ضد هذا النوع من التهميش والإنتهاك لو شئنا تحقيق أي إنتصار في حياتنا الإجتماعية. لا بدّ لنا أن نقاوم مقولة أننا لا نستطيع فعل شيء أو أننا ضعفاء وضحايا وما يترتّب عنها من تحطيم لعلاقاتنا الإجتماعية، وحياتنا الجنسية، وذواتنا وحالتنا النفسية.

ثورة العابرين/ات في لبنان والمنطقة
اذا بدأنا من هذا المنظور، أن نرى الأبعاد المستقبلية لخلق حراك يطالب بحقوقنا بعيداً عن نظام الوصاية نتفق جميعاً أنه الطلب الذي به تنتهي معاناتنا ويبدأ به نضالنا؛ لأننا وبمجرد المواجهة ورفع الصوت والمطالبة به نعلن رفضنا للإنتهاكات والقمع والإعتداءات والتهميش الذي نواجهه في حياتنا اليومية، وبالتالي رفضنا الجنس الذي فرض علينا عند الولادة. إن المطالبة بالحقوق الإجتماعية والقانونية والصحية هو بحد ذاته تقويض لتوقعات المجتمع منا. إذا نظرنا إلى الواقع الآن؛ نجد عدداً من المبادرات واللجان، المحلية منها والإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي نشأت مؤخراً للعمل على حقوق العابرين/ات من قبل أشخاص من مختلف الهويات الجندرية رافضين بذلك الوصاية. وقد بدأ هذا الحراك بعد ظهور الجمعيات المدافعة عن قضية الميم، فإذا عدنا إلى مسيرة المرأة العالمية التي أُقيمت في بيروت بتاريخ ١١/٣/٢٠١٨ والتي شارك بها العديد من العابرين/ات، رافضين/ات التهميش وعدم الإعتراف بهن كنساء، رافعين/ات الصوت ضد النظام الأبوي، مرددين/ات "نحن نحن الترنسات .. ع الذكورية ثائرات"٦، بالإضافة الى المساحات الآمنة التي بدأنا المطالبة بها، والمساحات التي تم خلقها، مثال لجنة الترانس* في جمعية حلم٧، وموقع ترانسات٨ الناطق بالعربية، اليوم القبل مؤتمر ندوة المخصص للنساء والأشخاص العابرين/ات، ومن جديد يتم العمل على المبادرة الإقليمية للترانس* في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مينا تي٩ بقيادة مجموعة من العابرين/ات ولا ثنائي/ات الهوية الجندرية في المنطقة كلها. فمن هنا يكمل الحراك، ومن هذا المنطلق نقول: هل سيأتي يوم نأسف فيه على إختيارنا هذا الطريق، أو حتى التفكير بخوض هذه المعركة؟ وهل بإمكاننا أن نتحمل التحديات التي تنتظرنا؟ هل نحن مستعدين/ات ل تحمل الضغوطات والعزلة؟

السؤال هو: لماذا دائما تكون هذه هي المقترحات الوحيدة المتاحة أمامنا؟ وما هو نوع الحراك الذي سوف يطوف بنا الى أبعد من هذا المنظور؟

نايا رجب كاتبة وصحفية فلسطينية-سورية ناشطة نسوية وتعمل في مجال التعددية الجندرية والجنسية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ولدت في سوريا-حمص سنة ١٩٩٦ وكانت جزء من التنسيقيات النسوية في الثورة السورية، بالإضافة إلى عملها كمدافعة عن حقوق الإنسان والأقليات في المنطقة. درست في كلية الصحافة والإعلام في جامعة دمشق، الأن هي تعمل في جمعية حلم اللبنانية كمسؤولة عن الخط الساخن والإستجابة الطرائة ومنسقة للجنة الترانس* ، كما أنها تعمل لدى المؤسسة العربية للحريات والمساوات كمسؤولة مشاريع.

1 إمرأة ترانس مقيمة في لبنان، أجريت معها مقابلة بتاريخ ١٣/٥/٢٠١٨.

2 منطقة سكنية محافظة في مدينة بيروت، لبنان.

٣ يستخدم تعبير سيس للإشارة إلى الأفراد الممتثلين/ات لهوية النوع الإجتماعي المحدد لهم/ن عند الولادة.

٤ رجل ترانس مقيم سابقاً في لبنان أجريت معها مقابلة بتاريخ ٧/٨/٢٠١٨. يرجى العلم أنّ الإسم مستعار لحماية الأمان والخصوصية.

٥ حبيبة بهجت سابقاً.

٦ للمزيد من المعلومات يرجى قراءة المقال التالي: نحنا نحنا لترانسات

٧ منظمة لبنانية للمجتمعات الميم: http://www.helem.net

٨ مجموعة من الأفراد عابري/ات النوع الإجتماعي والحلفاء والحليفات تسعى لنشر المعارف العلمية والثقافية حول موضوع النوع الإجتماعي في إطار المناطق الناطقة باللغة العربية https://transatsite.com

٩مينا تي مجموعة تضم أفراد ترانس من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشكلت في ٢٦/٩/٢٠١٨ في مؤتمر ندوى،بيروت.