Main content

بقلم ربى شلبي وترجمة كلودين فرح

من الطبيعي ألاّ نشعر أننا بخير في زمن الكورونا هذا. فنحن نواجه تغييراً جذرياً أرغمنا على الخروج من نطاق راحتنا وروتيننا المعتاد وجعل عالمنا يتّصف بالتقلب Volatility وعدم اليقين Uncertainty والتعقيد Complexity والغموض Ambiguity، أو ما يُعرَف ببساطة بالفوكا VUCA. فقد أصبحت أيامنا وحياتنا مليئة بالمفاجآت وسط التغيير المتواصل، ما يرغمنا على إعادة التكيّف بإستمرار. كما نعمل في الظلام بدون أن نفهم الوضع جيداً. وفضلاً عن ذلك كله، نواجه تهديد أمننا المالي من جهة، بينما نخشى الإصابة بالفيروس وفقدان الأحبّاء من جهة أخرى. وهذا الواقع الجديد مثير جداً للإضطراب ويحدث وقعاً على صحتنا وعافيتنا.

وفي فترات الإجهاد المماثلة، يتم تنشيط إستجابة غريزية في أجسامنا تؤثّر في طريقة تفكيرنا وشعورنا وسلوكنا. وهي شبيهة جداً بردّة فعل الغزال حين يهاجمه أسد؛ حيث يختبر إستجابة الكر أو الفر أو التجمّد. وسأشرح في ما يلي تلك الإستجابات الثلاث على المستوى البشري.

    • الكر: ي/تقوم الشخص بالمحاربة: ي/تفقد أعصابه/ا بسرعة وي/تصرخ، وي/تجادل، وي/تهاجم، وي/تصبح عنيفاً/ة.
    • الفر: ي/تصبح الشخص مضطرباً/ة وي/تفقد القدرة على التركيز. ي/تعاني درجة عالية من التوتر وي/تشعر دوماً وكأنه/ا هارب/ة. وي/تعاني الشخص الأرق وقلة الراحة.
    • التجمّد: ي/تصبح الشخص أبطأ وي/تؤجّل إتخاذ أي قرار. ي/تنفصل عن الواقع عبر السعي وراء المعرفة الفكرية أو الراحة الروحية. كما ي/تتعب الشخص بسرعة وي/تقضي وقتاً أطول وحده/ا وي/تنام أكثر.

بعدما أصبحتن/م تفهمن/ون ردود الفعل البشرية الأساسية تجاه الإجهاد، فهل أنتن/م من النوع الذي يتجمّد أم يفر أم يكر؟ في حين قد نختبر الحالات الثلاث كلها، ننتمي غالباً إلى نوع واحد. فاستجابتنا للإجهاد هي ردة فعل تلقائية يطلقها الجهاز العصبي كآلية للبقاء. ونفعل هذا بدون وعي كلما واجهنا الخطر.

ابدأن/وا بمراقبة طريقة تفكيركن/م وشعوركن/م وسلوككن/م في الفترات المجهدة. سيستغرق الأمر الوقت لتطوير هذا الإدراك. ولكن كلما تساءلتن/م عن شعور أو سلوك معيّن يزعجكن/م ستبدأن/ون بربطه ضمن إطار ردة فعلكن/م البشرية على الإجهاد. بالنسبة للبعض، نشعر تواً بالخزي ونلوم أنفسنا ونعتبر أننا لسنا بالمستوى المطلوب. ولكن بدلاً من ذلك، لمَ لا تبدأن/ون بتقدير مزاياكن/م؟

    • يشمل الكر فئة المحاربات/ون اللواتي/الذين يدفعن/ون الحدود ويغيّرن/ون الوضع الحالي. إنهن/م الثائرات/الثوّار والحارسات/الحرّاس والفزّاعات/ون.
    • مَن يعتمدن/ون نمط الفر يبرعن/ون في التنفيذ وإنجاز الأمور. ويتولين/ون زمام الأمور بسهولة ويخدمن/ون كل مَن ي/تحتاج إلى المساعدة. إنهن/م القادة/القائدات، ومقدّمو/ات الرعاية والخدمة.
    • ي/تتميّز الأشخاص اللواتي/الذين يتجمّدن/ون بالبراعة في وضع الإستراتيجيات وبقدرات ذهنية حادّة. إنهن/م المفكّرات/ون، والعالمات/العلماء، والمهووسات/ون بالمعرفة، والمصممات/ون، والحكيمات/الحكماء.

لقد إستمرّت البشرية وازدهرت بفضل تنوّع الأشخاص. إذاً تقبّلن/وا نقاط قوتهن/م واستفدن/وا منها. شكّلن/وا فرقاً مع مَن لديهن/م إستجابات مختلفة للإجهاد فتصبحن/ون متكاملات/ين وت/يدعم كل منهن/م الأخرى/الآخر.

وفي حين لا يمكننا السيطرة على فيروس كورونا المستجدّ، لدينا القدرة لتحسين تجربتنا للحياة. إبدأن/وا بملاحظة إنفعالاتكن/م السلبية مثل الخزي والغضب والحزن والخوف والخُدار. يقاوم العديد منا تلك الإنفعالات أو ي/تتجاهلها إذ تم إشراطنا منذ الطفولة لكبحها. ولكن مشاعركن/م صالحة. إذاً، مارسن/وا حقكن/م في الشعور ولا تحاربن/وا إنفعالاتكن/م. وعبّرن/وا عن هشاشتكن/م وائتمنّ/وا أحبّاءكن/م إذ حتماً هناك مَن سيدعمكن/م. كذلك نصبح مفعمات/ين بالحياة أكثر حين نقرّ بمشاعرنا.

أودّ في ما يلي أن أشارككن/م بعض الإستراتيجيات العامة للمساعدة في التأقلم خلال الفترات الصعبة:

    • انتهزن/وا الفرصة لاكتشاف النعم المتخفّية التي جلبتها معها حقبة الكورونا إلى حياتكن/م. فعلى الرغم من التباعد الإجتماعي والعزل الذاتي، وثّقت كورونا الروابط العائلية أكثر. هل حطّمت كورونا أنماطكن/م السلوكية التي أصبحت مملّة وغير منتجة؟ قدّرن/وا التغييرات.
    • مارسن/وا اللطف وادعمن/وا الأحبّاء والغرباء. فاللطف معدٍ ويولّد السعادة.
    • عشن/عيشوا في الحاضر. بدلاً من إنتظار الغد على أمل أن يكون أفضل، كيف يمكنكن/م إختبار السعادة الآن؟ عدّلن/وا مواقفكن/م الذهنية لتقدير اللحظة الحالية.

طبعاً سنبقى نختبر التجمّد والكر والفر، ولكن يمكننا تخفيف وقعها علينا لنتمكّن من العودة بسرعة أكبر إلى الإعتدال والإتّزان. وفي ما يلي بعض الإستراتيجيات المحدّدة:

    • إذا كنتن/م تعانين/ون من ضعف الطاقة فادفعن/وا أنفسكن/م برفق إلى التحرّك، مثلاً عبر إنجاز بعض المهام خارجاً، والمشي، وتمارين القفز، والرقص. وعندما تجدن/ون أنكن/م في عزلة، فابذلن/وا جهوداً بسيطة للإتصال بالأخريات/الآخرين والتواصل إجتماعياً. إتصلن/وا بشخص لم تتواصلن/وا معه/ا منذ وقت طويل.
    • إذا كنتن/م تشعرن/ون بالقلق فيجب إيجاد طرق سليمة للإبطاء والإسترخاء. خذن/وا أنفاساً أعمق أو حمّاماً أطول، أو إستمعن/وا إلى الموسيقى. إبدأن/وا بممارسة اليوغا والتأمّل بإنتظام. إقضين/وا الوقت في الطبيعة.
    • إذا شعرتن/م بالغضب فافعلن/وا شيئاً يتطلّب مجهوداً جسدياً للمساعدة على إطلاق الطاقة العالية من أجسامكن/م ثم تمّهلن/وا واسترخين/وا.

في حالات الإجهاد، بإمكان الآخرين/الأخريات إثارة غيظنا بسهولة. ولكن بعدما فهمتن/م الآن كيف يستجيب الناس للإجهاد، امتنعن/وا عن إعتبار سلوكهن/م إهانة شخصية لكن/م وبدلاً من ذلك، ساعدنهم/ساعدوهن على تحسين شعورهن/م. وفي ما يلي بعض الإقتراحات لتطبيقها مع الأشخاص الأخريات/الآخرين:

    • إذا كان بطء أحد ما يغيظكن/م فشجّعنه/شجّعوها على السير أو أوكلنه/أوكلوها بمهمة بسيطة تدفعه/ا إلى التحرّك، وستتحسّن طاقته/ا مع تحرّك جسمه/ا.
    • إذا كان/ت شخص ما منعزلاً/ة جداً فتواصلن/وا معه ودردشن/وا. أظهرن/وا له/ا أنكن/م تقدّرنه/تقدّرونها لت/يشعر أنه/ا مرئي/ة.
    • إذا كان/ت شخص ما مفرط الحيوية فساعدنه/فساعدوها على التمهّل عبر دعوته/ا إلى الجلوس وأخذ إستراحة. غيّرن/وا موضوع الحوار ليكون إيجابياً وخفيفاً، واضحكن/وا معاً، وأظهرن له/ا المحبة والدعم، ويجدر بذلك أن يساعده/ا على الإسترخاء.
    • عند التعامل مع أشخاص غاضبات/ين إمنحنهممنحوهن مجالاً للتعبير عن أنفسهن/م. لا يهم ما يقلنه/يقولونه؛ إسمحن/وا لهن/م بالتنفيس عن مشاعرهم/ن المكبوتة بدون مقاطعتهن/م. وسيهدأن/ون بعد ذلك.

بإنتظارنا تغييرات هائلة، فالتغيير هو الأمر الثابت الوحيد في الحياة. قد نود جميعاً الإحتفاظ بعاداتنا القديمة ولكن لدينا فرصة هنا للنمو عبر تقبّل المجهول. وبدلاً من مقاومة التغيير، أيمكنكن/م إعتبار الغد مغامرة وترقّبه بشيء من الحماسة؟ أتخشين/ون المجهول؟ تصوّرنه/وه كسلسلة من المفاجآت وإسمحن/وا لها بتحفيزكن/م بالحيوية.

Stress reduction

 

ربى هي شافية ومستشارة في الإدمان على الطعام. كما أنها مؤلفة كتاب Beyond the Emptiness: How I found Fullness Outside of Food. وهي تقيم في لبنان وتقدّم جلسات للاسترخاء والتخلص من الإجهاد، والتنفس والتخلص من الصدمات النفسية، والتعافي من الإدمان على الطعام. لديها شغف في مساعدة الأخريات/الآخرين ممَّن يعانين/ون من صعوبات مماثلة عبر تطبيق ما تعلّمته من تجربتها الخاصة لاستعادة عافيتها.