Main content

بقلم أنسام التمّام

سلمى أحمد ١ كانت تعمل في مجال تصميم الجرافيك، إستقالت من عملها دون ذكر الأسباب، ولكن تلك كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلالها وضع حد للتحرش الذي كان يقع عليها من قِبل مديرها في العمل.

تقول سلمى "كنت أحاول تجنبه وتجنب التواجد معه بنفس المكان ولكن كان يستمر في مضايقتي، المشكلة أنني عندما كنت أصف الأمر لزميلاتي في العمل كانت نصيحتهن هي الإلتزام بالصمت والمحافظة على باب الرزق".

تصف سلمى المواقف التي كانت تمر بها " كلما حدث ذلك شعرت بأنني عاجزة، يؤلمني أنني لم أكن قادرة على الدفاع عن نفسي، وأنه لم يكن هناك جهة في المؤسسة أشكو لها ما يحدث، عادةً أكون على مكتبي خلف جهاز الحاسوب الخاص بي، ويقترب مني لدرجة الإحتكاك بي بحجة أنه يريد أن يراجع تصاميمي، وكثيراً ما كنت أجد أفلاماً إباحية محمّلة على حاسوبي في العمل، لا أعرف مصدرها".

ريم بدر صيدلانية، حدثت لها مواقف مشابهة لتلك التي عاشتها سلمى، فبحسب وصفها " تركت العمل بعدما تكرر إرسال زميل لي رسائل خارج أوقات الدوام، أغلب محتواها مغازلة ونكت ذات طبيعة جنسية! حينها لم أتمكن من إخبار زوجي حول ما يحدث خاصة أنني أخذت وقتاً طويلاً في إقناعه بعودتي للعمل بعد إنجابي لطفلنا الأول، وحاولت التصرف وحدي في هذا المأزق، فاتجهت لصاحب الصيدلية التي أعمل فيها، وكان رده أن هذه مشاكل شخصية بين الزملاء عليكم حلها بالتفاهم والحديث وحدكم! والحديث لم يجدي نفعاً مع زميلي، فتركت العمل"، وفق قول ريم.

في مكاتب الشركات، وبين ماكينات المصانع، ووراء مناضد البيع، وحتى أثناء المواصلات إلى العمل، الكثير من قصص التحرش المخفية، مثل قصص ريم وسلمى، وخولة التي كانت تضطر كل يوم أن تواجه مجموعات من المتحرشين إلى أن تصل إلى مكان عملها، تقول خولة "ربما تعتقدون أني أبالغ، لكنني كنت أواجه يومياً عشرات المتحرشين في المواصلات العامة، كنت أستنفذ طاقتي تماماً قبل وصولي إلى العمل، كنت أصل بمزاج غاضب وأتألم لكوني أنثى!".

تصف خولة ما كانت تمر به "كنت أتعرض لنظرات شهوانية وكلمات طائشة تصل أذني، وإلى لمسات لجسدي! هذا ما كان يحدث يومياً، وكان عليّ أن أصل مبتسمة وسعيدة إلى العمل وبكامل طاقتي" وتتابع "لم أحتمل كل ذلك، كنت أشعر بأني متعبة ومهانة، فقررت ترك عملي".

أرقام ودلالات

كشفت دراسة استقصائية٢ مسحية حول العنف والتحرش في الأردن، أجرتها منظمة "آكشن إيد" في الأردن، أن واحدة من كل ٥ نساء عانين من شكل أو أكثر من أشكال العنف ضد المرأة في مكان العمل.

وأنه كلما قل إستقرار العمل، زاد خطر التعرض للعنف والتحرش، وأن المجموعات التي تواجه أعلى معدلات العنف ضد النساء والفتيات كانت العاملات والعمال بأجر يومي والمتدربين/ات.

يتضح من الدراسة أنه هناك حاجة إلى التصدي للعنف ضد المرأة على كافة مستويات المؤسسات من خلال النتيجة التي خلصت إلى أن ٢٩ % من النساء إلتزمن الصمت إزاء العنف والتحرش الذي عانين منه، بينما ١٧٪ خشين من الإنتقام إذا تم التبليغ عن العنف. وذكرت الدراسة أيضاً أن ١٤% من الناجيات من التحرش، قمن بتقديم إستقالاتهن.

وتفيد الجهة المنفذة للدراسة بحسب التقرير الصادرعنها أن النساء كنّ قلقات من الإضطرار إلى التذكر وإعادة سرد تجاربهن ومن التبعات الإجتماعية للتقارير، مثل وصمة العار والخزي والبعض منهن لم يكن لديهن معرفة بما يجب القيام به ولمن يجب التوجه؛ والبعض منهن قررن أن عواقب الإبلاغ لا تستحق العناء.

جدير بالذكر أن الدراسة إستندت لمقابلة ٢٣٢٣ عامل/ة في مصانع أردنية، وخلصت إلى أن ٢٠% من العاملات تعرضن للتحديق غير المرغوب به، و١٧% منهن تعرض للتحرش الجنسي اللفظي و١٦% تعرضن لرسائل غير مرغوب بها و ١٥% للمس غير المرغوب به.

وبحسبها فالتحرش يقع على الطريق ومن وإلى العمل في ٤٠% من الحالات، وهذه النتيجة متصلة بإتفاقية منظمة العمل الدولية التي تؤكد على ضرورة أن تتخذ الحكومة والمنظمات خطوات لضمان الحماية من العنف ضد النساء والفتيات في الطريق من وإلى العمل.

إنتهاك حقوق المرأة وأهمية التشريعات

بحسب الناشط الحقوقي وأحد القائمين على الدراسة، محمود سمحان، من أبرز أسباب حدوث التحرش في أماكن العمل هو غياب الوعي، وأن بعض السلوكيات تندرج تحت مسمى التحرش، حيث التحديق وبعض الألفاظ، قد يظنها بعض المتحرشين بأنها تصرفات غير مسيئة ومقبولة لا تؤثر على الطرف المتلقي لها.

أكد سمحان أن هذه المشكلة هي جزء من منظومة إنتهاك حقوق المرأة في المجتمع، وصحيح أنه تم تسجيل عينات في المسح لرجال وقع عليهم تحرش جنسي ولكن نسبة النساء المتحرش بهن كانت أكبر بكثير.

ولفت سمحان إلى أن حل هذه المشكلة يكون بسنّ أنظمة وتشريعات في الأردن تضبط هذا السلوك، ذلك أن قانون العمل الأردني قد خصص عقوبة للتحرش الجنسي إذا قام بها صاحب العمل إلا أنّ القانون لم يحدد عقوبة تقع على الزميل الذي يتحرش بزميلته، مؤكداً وجوب سنّ أنظمة داخلية في المؤسسات نفسها، تكون رادعة وتحدد عقوبات على المتحرشين في أماكن العمل، بالإضافة إلى ضرورة وجود حملات توعية تشمل أصحاب العمل والموظفين ذكوراً وإناثاً من أجل زيادة الوعي المجتمعي في القضية والآثار السلبية الناجمة عنها.

تؤكد سلمى أنه لو كان زميلها من يتحرش بها، لقامت برفع شكوى للمدير، لكن المشكلة التي واجهتها هي أن التحرش كانت تواجهه من المدير، فلم تكن تدري إلى أين تتجه، وكانت بحاجة لدعم من أسرتها ومن القانون.

ريم وخولة طالبتا بضرورة وجود لوائح قانونية تثبت حقوقهن في العمل، والأهم تسهل آلية تقديم الشكوى، بدون تخوفات مجتمعية أو تخوفات على العمل.

وبحسب تقرير أصدره معهد تضامن٣ النساء الأردني فإن التحرش الجنسي لا زال في مرحلة الإنكار المجتمعي وهي المرحلة الأخطر في مواجهة هذه الظاهرة، حيث السكوت عن التحرش الجنسي باعتباره الحلقة الأولى والتي تفتح المجال أمام اعتداءات جنسية أخطر، وحوالي ٣ جرائم هتك عرض في الأردن يومياً، وجريمة إغتصاب كل يومين خلال عام ٢٠١٧، ويؤكد المعهد أن التصدي لجريمة التحرش مسؤولية مشتركة في ظل الأدلة القائمة على المعرفة والبيانات.

وتؤكد "تضامن" أن الحاجة أصبحت ملحة للإعتراف بوجود الظاهرة كي نتجاوز مرحلة الإنكار التي لا زالت تقيد كل الجهات المسؤولة وذات العلاقة من اتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة، ولننتقل الى مرحلة العمل والتصدي للتحرش الجنسي، وقاية وحماية وإستجابة وتأهيل وعلاج.

 

الأردن وإتفاقية القضاء على التحرش في عالم العمل ٤

منذ العام ٢٠١٥ بدأت جهود منظمة العمل الدولية بالتوجه لوضع معايير وتوصيات متعلقة بشكل رئيسي بالعنف الواقع على الرجل والمرأة في أماكن العمل، وكللت جهود المنظمة بالإتفاقيات والتوصيات المقترحة بالتقرير الذي أصدرته مؤخرا في شهر يونيو/حزيران ٢٠١٩، بعنوان "القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل" خلال مؤتمر جنيف، ويهدف التقرير في مجمله حماية العاملين/ات في أماكن العمل من كافة مظاهر العنف والتحرش.

وتم إرسال التقرير للحكومات ودعيت لإرسال أية تعديلات أو إقتراحات، بعد التشاور مع المنظمات التي تمثل أصحاب العمل والعمال، وقد تلقى مكتب منظمة العمل ردود من الهيئات المكونة من ١٠١ دولة.

وترقبت منظمات المجتمع المدني والمعنيين بالقضية تصويت الأردن وتوقيعه ومشاركته في هذه الإتفاقية، خاصة وأن الأردن كانت من الدول التي أرسلت مندوباً عنها للمشاركة في المؤتمر الذي إنبثقت عنه الإتفاقية.

وحث تحالف مناهضة العنف والتحرش في مكان العمل والذي يضم مجموعة من النقابات العمالية والمستقلة ومنظمات المجتمع المدني، الحكومة الأردنية على التوقيع، ولا تزال المطالبات قائمة إلى الآن.

وأكدت جمعية معهد تضامن النساء الأردني في بيان لها على ضرورة توقيع الأردن على هذه الإتفاقية خاصة أن الجمعية تجد أن الإرادة السياسية حاضرة من خلال السياسات الحكومية مشيرة إلى أن وزارة العمل وضمن برنامج أولويات عمل الحكومة (٢٠١٩-٢٠٢٠) وضعت سياسات ستكون ملزمة للشركات التي لديها ١٠ عاملين فأكثر، من شأنها الحماية من العنف والتحرش في أماكن العمل فيما عدلت الوزارة النظام الداخلي للشركات لضمان إلزامية وجود هكذا سياسات، حيث لن يسمح بتسجيل الشركات الجديدة دون وجود سياسات حماية من العنف والتحرش.

جميع ما سبق من حقائق وقصص ذكرت في هذا التقرير، تلفت إلى وجود مشكلة تواجه نسبة كبيرة من النساء بقطاعات مختلفة، وأن هذه المشكلة لا تكوّن مصدر إزعاج عادي يمكن التغلب عليه والإستمرار بالإنتاج والمشاركة الإقتصادية للمرأة، بل هو عائق يحول بينها وبين محاولاتها في المشاركة بسوق العمل وإستثمار قدراتها في الإنتاج والتطوير.

إن وجود تشريعات رادعة للتحرش في أماكن العمل، والقيام بسن قوانين داخلية في الشركات، مع التأكيد على توعية الموظفين/ات وتثقيفهم/ن بها، أمر يزيد من إنتاجية المرأة داخل الشركات، ويمكنها من المشاركة الإقتصادية بشكل فعال، والقضاء على أحد أهم الأسباب التي تجعل المرأة تتنحى جانباً وتبتعد عن المشاركة.

Sexual Harassment: The Hidden Barrier to Women’s Work in Jordan

١ كافة الأسماء المشار إليها في هذا المقال مستعارة حفاظاً على خصوصية وسلامة المشاركات.

٢ دراسة حالة حول العنف والتحرش في أماكن العمل.

٣ تقرير تضامن ١٢-١٢-٢٠١٨.

٤منظمة العمل الدولية/ القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل.