Main content

بقلم عفاف أحمد الخشمان وترجمة غسان مكارم

المقدمة:

قامت مجموعة من النشطاء/الناشطات الأردنيين/ات المجهولين/ات بإصدار ما أُطلق عليه إسم "بيان من أجل حق الخصوصية والحرية"، لمطالبة المجتمع المدني والرأي العام، بشكل أساسي، بدعم تطوير إطار قانوني لحماية أفراد المجتمع جميعاً، والنساء منهم بشكل خاص. وقد صدر البيان إثر تسريب تسجيل يُزعم أنّه يكشف عن قيام مسؤول رفيع في الحرس الملكي الأردني بإبتزاز امرأة والإعتداء عليها جنسياً. وقد أدّى التسريب، والمناقشات التي تلته، إلى تسليط الضوء على ضعف موقف المرأة في المجتمع الأردني، وأخذت القضية صدى شكّل دليلاً على مدى إنتشار هذه المشكلة. أمّا المفاجأة فتمثّلت في إعتبار الضحية جانية رئيسية، بالرغم من تعرّضها للإبتزاز والتهديد المتكررين، إنطلاقاً من مبدأ أنّه لا يجوز للمرأة التحدّث مع رجال غرباء أساساً. إستند الرأي العام في رأيه هذا – المعبّر عنه بشكل واسع على منصات الإعلام الإجتماعي - على التخمين والإفتراض، نظراً لأنّ تفاصيل الحالة لم تكشف للعلن.

نشر بيان الناشطين/ات، الذي يدعو إلى معالجات قانونية في حالات مماثلة من إنتهاك الخصوصية والكشف عن المعلومات العامة، بإسم الرجال والنساء الأردنيين/ات المعنيين/ات بنقص حماية الخصوصية في المجتمع الأردني وبالحقيقة القاسية التي تواجه المرأة الضحيّة. ويعكس غياب اسم منظمة حقوق إنسان "معترف بها" أو هيئة مماثلة من الموقعين/ات على البيان أزمة في المناخ العام للمجتمع المدني الأردني، ونشاط المرأة على وجه الخصوص. وهذه الأزمة ليست واضحة في عدم وجود دعم عام لحماية النساء من الابتزاز فحسب، بل أيضاً في عدم وجود توافق في المجتمع المدني والأحزاب السياسية على أرضية مشتركة لأولوياتها وجدول أعمالها وتعريفاتها لحقوق المرأة.

خلفية تاريخية

يمكن تتبع بداية حركة حقوق المرأة في الأردن إلى أربعينيات القرن العشرين، حيث عملت النساء من العائلات الأكثر حظوة في تقديم الخدمات الإجتماعية، كإغاثة اللاجئين/ات والمجتمعات المحرومة (التل، ١٩٨٨). في خمسينيات القرن الماضي، بدأت أجندة قائمة على الحقوق في البلاد، مستوحاة من حركات التحرر والقومية العربية، بالظهور منذ خمسينيات ذلك القرن. وتشير وثائق احتفظت بها إميلي بشارات، أول محامية أردنية وأول رئيسة للإتحاد النسائي العربي، إلى مداولات جادة جرت حول قضايا كمشاركة المرأة في السياسة، وتعدد الزوجات، والطلاق التعسفي.١ لم تسهم جهود بشارات ونشطاء آخرين في رفع مستوى التقبّل الإجتماعي قبول التغييرات التي تطرأ على الأدوار الجندرية في المجتمع الأردني فحسب، بل أدت أيضاً إلى تكثيف الجهود لكسب الحقوق السياسية، ولا سيما حق المرأة في التصويت الذي أقرّ أخيراً في العام ١٩٧٤.٢
وبين سبعينات وتسعينات القرن الماضي، تأثرت حركة حقوق المرأة الأردنية كثيراً بمبادرات الأمم المتحدة في مجال حقوق المرأة، كعقد الأمم المتحدة الدولي للمرأة (١٩٧٥-١٩٨٥)، وتأييد إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في العام ١٩٧٩، ومؤتمر بيجين في العام ١٩٩٥، على سبيل المثال، فقد تبنّت عدد من المنظمات روح هذه المسارات. كما عملت بعضها تحت رعاية أفراد من العائلة المالكة مثل الأميرة بسمة، رئيسة اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، بينما كان البعض الآخر منظمات قائمة بالفعل، إستطاعت العمل وإعلان مطالب بالحقوق السياسية بعد عودة الحياة الديمقراطية في الأردن عام ١٩٨٩. تضم هذه المنظمات إتحاد المرأة الأردني (أنشئ لأول مرة في العام ١٩٧٤ قبل إعادة تنظيم في العام ١٩٨٨)، ومنظمة المرأة العربية، والإتحاد النسائي الأردني العام (تأسس في ١٩٨٢). ووفقاً لابتسام عطيات، وهي متخصصة في تاريخ حركات حقوق المرأة في الأردن، فإن البرامج التي إعتمدت إطاراً عالمياً لحقوق الإنسان، وخاصة إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وخطة عمل بيجين، تم دعمها بشكل أساسي بتمويل من الإتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (٢٠١٢، ١٤٤).

أدت هذه التطورات إلى زيادة التركيز على قضايا معينة كجرائم الشرف، والعنف ضد المرأة، والمشاركة السياسية للمرأة، والنهوض بقضايا المرأة في جدول الأعمال السياسي الوطني التي تم تجاهلها من قبل الثقافة السياسية السائدة التي يهيمن عليها الذكور. أما في تسعينيات القرن الماضي، طُرح الخطاب المتعلق بحماية المرأة وحقوق المرأة أمام الرأي، وزاد عدد المنظمات التي تناصر حقوق المرأة بشكل كبير.٣

ما الذي ينقص؟

ومع ذلك، لا يوجد إتفاق على جدول أعمال مشترك لحقوق المرأة، وذلك ويعود جزئياً إلى التباين بين الأهداف الإستراتيجية المعتمدة وبالرغم من الخطاب المشترك بين المنصات السياسية المتعددة. وبسبب القانون الذي يفرض على المنظمات النسائية التسجيل كمنظمات مكرّسة لـ"العمل العام"، فإن العديد منها يعاني في تحقيق جدول أعمال سياسي قائم على الحقوق، مقارنة بالمنظمات المكرّسة للعمل الخيري والخدمات العائلية. على سبيل المثال، إضطر المنتدى الإنساني لحقوق المرأة – المؤسس في العام ١٩٩٥ والذي يركز على إجراء البحوث حول العنف ضد المرأة - إضطر للدخول في تحالف مع منظمات أخرى للحصول على إعتراف سياسي رغم مؤهلاته التأسيسية القوية (اعطيات ٢٠٠٣، ١٠٨).

في الوقت ذاته، غيّرت بعض المبادرات كالحملة الوطنية للقضاء على ما يسمى بجرائم الشرف أساليبها التنظيمية التقليدية بشكل يوسّع نطاق التوعية الشعبية. وقد حققت الحملة مكاسب تشريعية كبيرة. بالرغم من عدم تمكّنها من إلغاء المادة ٣٤٠ المثيرة للجدل (التي تعفي الرجال من جرائم الشرف في حالات الزنا) و٩٨ (التي تسمح باستخدام الشرف كظرف مخفف في الحكم) من قانون العقوبات، إلا أنّها نجحت بإلغاء المادة ٣٠٨ (التي تسمح للمغتصب بتزوّج الضحية بغض النظر عن رغبات الضحية) في العام ٢٠١٧. وقد أظهرت جهود جمع التوقيعات "جرائم الحملات" وحملة مجموعة ميزان للقانون (١٩٩٨ إلى الوقت الحاضر)، ما يمكن إنجازه من خلال مبادرات المجتمع المدني لحماية النساء المعرّضات، بشرط وجود تأييد شعبي واسع. وفي أوائل آب، تم إنشاء أول ملجأ للنساء لحماية ضحيات العنف المنزلي في عمّان.٤

وبعيداً عن العوائق التنظيمية التي تواجه المبادرات والمنظمات، كانت الحكومة متحفّظة حول قيامها بدور ريادي في حماية المرأة. ووفقاً لهاني جهشان، الطبيب الشرعي والناشط، توجد في الأردن إرادة سياسية محلية لتوفير المزيد من الحماية للنساء، لكن لا يقابلها جهاز تنفيذي (الحكومة) وظيفي وناشط في قطاعات مختلفة من المجتمع.٥ وبالرغم من محاولة منظمات المجتمع المدني ملء هذا الفراغ، فقد أظهرت قضايا مثل "بيان من أجل حق الخصوصية والحرية" الحاجة لهيئة سياسية أكثر نفوذاً للدفاع عن إطار قانوني متين. مثل هذا الإطار سيكون الوسيلة الوحيدة لحماية النساء من فئة صغيرة ولكنها مدمرة من الأفراد المفترسين الذين يستغلون إفلات الرجال من المساءلة. وفقاً لموقعي/ات البيان، تلعب الأعراف الإجتماعية القبلية دوراً محورياً في حماية أفراد المجتمع الذكور والإطار الثقافي الذي يعتبر النساء ملكية لعائلاتهن.

إستنتاجات
بالنظر إلى الكفاح الطويل، والنكسات والإنجازات لا تحظى جميع القضايا المتعلقة بحقوق المرأة في الأردن بالاهتمام بما يتناسب مع إلحاح الحاجة لها. وتختلف الحقوق السياسية عن حقوق الحماية، وبالرغم من أهمية الأولى، تُظهر الحياة اليومية للمرأة كيفية تأثير غياب الحماية على جميع الجوانب الأخرى لحياة المرأة، بما في ذلك مكان العمل، الذي يؤثر بدوره على مشاركة المرأة في القوى العاملة.٦ ويشمل التصدي لمسألة أمن المرأة معالجة الاختلالات في امتيازات الرجال والسلطة المطلقة لشهادة الذكور، وهو تحول ثقافي لن يتحقق بسهولة وستؤدي المحاولات إلى عواقب. ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تم حرمان توجان فيصل دينياً، الشخصية الأكثر جرأة في نشاط المرأة في الأردن في ذلك الوقت، من قبل رجال الدين في الدولة، بسبب كتابتها لمقال يدافع عن حقوق المرأة الأردنية وإنتقادها لوجهة نظر الإسلاميين، المدعومة والمستفيدة من وجهة النظر القبلية، الخاصة بالنساء وقدراتهن المتأصلة (عطيات ٢٠٠٣). وقد تغيّرت الأحوال منذ ذلك الحين، وشهدت السنوات العشرين الأخيرة خاصة زخماً أكبر في الجهود الرامية إلى إلغاء القوانين التي تحرم المرأة من الحماية المتساوية، مع الأمل بأن تتوحد المنظمات النسائية الرئيسية في إطار شامل حول ما يشكل إنتهاكاً لحق المرأة بالحماية والرعاية الإجتماعية والحرية.

مع حلول خريف العام ٢٠١٧، إلتحقت عفاف الخشمان ببرنامج الدكتوراه في التعليم والأنثروبولوجيا في كلية المعلمين التابعة لجامعة كولومبيا. تركّز الخشمان في أطروحتها على التعليم في المجتمعات المحلية في الأردن. كما حازت على درجات الماجستير في كل من الدراسات العربية من جامعة جورجتاون والترجمة من الجامعة الأردنية.

١ بشارات، إميلي. ٢٠٠٤. مذكرات شخصية تم جمعها من قبل مركز إميلي بشارات للتوثيق. عمان: اتحاد المرأة الأردني.

٢ برات، نيكولا. تاريخ نضال النساء في الأردن: ١٩٤٦-١٩٨٩. ٢٦/٥/٢٠١٥. تم استحصاله من: https://www.7iber.com/society/a-history-of-womens-activism-in-jordan-1946-1989/

٣ بالنسبة لعطيات ٢٠١٢، ارتفع العدد من بضعة منظمات إلى ٣٩ في التسعينيات.

٤ برييتو، أنا ف. إبانييز. منظمات نسائية تشيد بافتتاح ملجأ للنساء المعنّفات. ٢/٨/٢٠١٨. تم استحصاله من: http://www.jordantimes.com/news/local/women-groups-hail-opening-shelter-abused-women

٦ كاي ماجيستاد، ماري. لماذا تعمل القليل من النساء (بأجر) في الأردن؟ ٨/٣/٢٠١٧. تم استحصاله من: https://www.pri.org/stories/2017-03-08/why-do-so-few-women-work-pay-jordan

الكتب والفصول المرجعية:
التل، سهير. مقدمات حول قضية المرأة والحركة النسائية في الأردن. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ١٩٨٨.
عطيات، ابتسام. "حصاد العقود الذهبية: نشاط المرأة المعاصر في الأردن". في: خريطة حركات المرأة العربية: قرن من التحولات من الداخل. تحرير برنيل ارينفيلدت ونوار الحسن. القاهرة ٢٠١٢.
عطيات، ابتسام. الحركة النسائية في الأردن: النشاط والخطابات والاستراتيجيات. الجامعة الحرة، برلين ٢٠٠٣.