Main content

بقلم لودي عيسى وشارا جزار
ترجمة غسان مكارم

المضايقات والتهديدات التي تتعرض لها السياسيات لثنيهن عن ممارسة حقوقهن المدنية

عندما جلست المرشّحة للمرة الأولى نايلة جعجع إلى طاولة الحوار محاطة بالرجال، أتت أجوبتها لتعكس شخصية هادئة ورصينة ذات باع طويل في القانون والأبحاث وحقوق الإنسان. كانت جعجع آنذاك مرشّحة مستقلّة لإنتخابات عام ٢٠١٨ النيابية ضمن حملة لـبلدي،١ وفي طاولة الحوار هذه كانت تقدّم إقتراحات وآراء للمساعدة في بعض أكثر القضايا إلحاحًا في البلاد. لكن سرعان تتم مقاطعتها والإستخفاف بخبرتها العميقة في الأبحاث القانونية وصياغة السياسات، فيقوم المرشّحون بالتدخّل والتغطية على صوتها رغم وجود إدارة للجلسة.

يأتي هذا الحادث المتكرر كتذكير بالثمن الذي تدفعه النساء عند إنخراطهنّ في السياسة. سحبت نايلة جعجع ترشيحها قبل الوصول إلى يوم الإنتخاب لغياب الإتفاق مع اللائحة الوحيدة للمجتمع المدني التي يمكن أن تضمّها، لكنّها تبقى واحدة من أمثلة كثيرة عمّا تتعرّض له النساء من ضغوطات مباشرة وغير مباشرة من الرجال لإرغامهن على الإنسحاب بسبب جنسهن.

تشير سهام قعوار من الأردن في شهادتها الشخصية إلى أن أكثر من ثلاثين رجل إتصل بأخيها لدفعه للضغط عليها لسحب ترشيحها عام ٢٠٠٧ ،٢ وهي التي فازت ثلاث مرّات في إنتخابات بلدية الفحيص على أساس الكوتا النسائية. كما قام بعض الرجال من قبيلتها بمحاولة إقناع الناس بعدم التصويت لها في إنتخابات العامين ٢٠١٣ و٢٠١٧ لكونها إمرأة ومرشحة مستقلة.

"تدعم القبيلة المرشّحين الذكور لا الإناث، لأنهم يعتقدون أنهم أكثر كفاءة من النساء،" تقول قعور التي كشفت أيضًا عن التمييز والإستخفاف الذي واجهته داخل المجلس النيابي ذاته،٣ "يناقضونني في كل ما أقترحه، لأنني إمرأة، بالرغم من معرفتهم ضمنيًا بأنني على صواب."

تتمتّع قعوار بدعم شقيقها غير أنّ مرشحات أخريات يمتنعن عن المشاركة لأسباب عائلية. وقد واجهت الناشطة الأردنية فالحة العثامنة، التي فازت ضمن الكوتا النسائية في ٢٠١٧ أيضًا، معارضة من قبل أبنائها إستمرت لوقت طويل حتّى إقتناعهم بقرار أمهم الترشّح لمجلس بلدية الشراح.٤

"عارض شباب البلدة ترشحي للإنتخابات، بما في ذلك أبنائي المراهقين الذين لا يصوتون، وذلك لأنني إمرأة، وهم يعتقدون أن البلدية للرجال،" تقول العثامنة، "كان علي أن أتحدّث معهم وأقنعهم بأنني لن أحل محل رجل لأنني مرشّحة ضمن الكوتا النسائية، مما يعني أنه في حال عدم حصولي على المقعد ستأخذه إمرأة أخرى." ٥

وهناك حادثة أخرى محفورة في ذاكرة النساء اللواتي قد يرغبن خوض المجال السياسي اللبناني، وهي قصّة ريما حميّد، مرشّحة نيابية لبنانية مستقلّة أخرى لشغل مقعد في دائرة الجنوب مع تحالف كلّنا وطني.٦ ففي يوم الإنتخابات، أبلغت حميّد الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الإنتخابات٧ عن تعرّضها للإعتداء خارج مركز الإقتراع من قبل مؤيدي حزب الله وحركة أمل، وهما حزبان سياسيان تقليديان خاضا إنتخابات ٢٠١٨ ضمن إئتلاف واحد.

وكان تحالف كلّنا وطني يشمل أيضًا الصحافية بولا يعقوبيان، وهي واحدة من ٦ نساء وصلن إلى المجلس النيابي من أصل ١٢٨ مقعد والمرأة المستقلّة الوحيدة التي تم إنتخابها. وبالإضافة إلى التمييز على أساس النوع الإجتماعي التي تواجهه كعضو في البرلمان، فإن وضعها كممثلة مستقلّة يعرّضها لشكل مختلف نوعيًا من العنف السياسي القائم على النوع الإجتماعي مقارنةً بالمرشحات المنتميات إلى الأحزاب السياسية الكبرى. وكما تبيّن دراسة أجرتها مؤسسة دعم لبنان،٨ تقتصر مشاركة النساء في الأحزاب الطائفية على المهام المرتبطة تقليديًا بالأمهات ومقدمي الرعاية، وهي مهام محصورة في الغالب في فروع الحزب السياسي المرتبطة بالشؤون الإجتماعية، والتي تتناول تمكين المرأة وحقوق الجرحى بدلاً من العمل الميداني الذي قد يسمح لهن ببناء تحالفات إنتخابية.

وقد وصل الأمر إلى إنتقاد بولا يعقوبيان بإستخدام وصف "مرضعة الكل"٩ المهين من قبل محلل سياسي على محطة تليفزيونية للتلميح إلى عملها لإرضاء الجميع، ونظرة سريعة على حسابات وسائل التواصل الإجتماعي للمرشحة المستقلة وناشطة حقوق المرأة جومانا حداد تكشف النقاب عن النقد والعداء اللذان تواجههما النساء في المناصب القيادية عند إعلاء صوتهن. فقد واجهت حداد إنتقادات من خلال الردود عليها على موقع تويتر بسبب كونها "قليلة الأدب" وتعرضت لألفاظ جنسية رداً على رأيها المختلف في الشؤون المدنية والإجتماعية. وبينما تتم مهاجمة السياسيين والزعماء الذكور المستقلين بسبب مواقفهم، لا يتم توبيخهم بالمثل بسبب أوضاعهم الزوجية أو إستهدافهم بأخلاقهم الجنسية.

وغالبًا ما تقوم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة المملوكة والمسيّرة من قبل مختلف الجماعات الطائفية الراسخة في لبنان، بترسيخ الأيديولوجيات الأبوية المهيمنة التي تعيق مشاركة المرأة في السياسة. وكما يتضح من مثالي يعقوبيان وحداد، غالبًا ما تتم مناقشة القيادات النسائية من زاوية الرجال اللواتي يرتبطن بهم أو تصويرهن بإستخدام الصور النمطية الجنسية التي تربطهن بأدوار مقدمي الرعاية التقليدية.

كما يتم إستخدام الإنترنت، خاصة من خلال وسائل التواصل الإجتماعي والمنتديات، كأداة إضافية للمضايقة والترهيب. وفقًا لشهادة العضو المستقل ريم رواجبة، التي فازت في الإنتخابات البلدية الأردنية عام ٢٠١٧، فقد إنهمرت الهجمات والشتائم على صفحة فيسبوك الخاصة بها.١٠ وعارضتها قبيلتها بشدّة بعد أن صُدمت بقرارها المفاجئ بالترشح للإنتخابات دون إستشارة القبيلة وبسبب الإعتقاد السائد بأن على النساء عدم شغل المناصب القيادية، لكن الكوتا النسائية كانت بمثابة الهيكل القانوني الضروري الذي سيمكنها هي وغيرها من الإناث من ممارسة حقوقهن المدنية.

بصرف النظر عن وجود ثقافة أبوية عامة تدافع عن إبقاء المرأة في الأدوار التقليدية والرجل في المناصب القيادية، فإن الإفتقار إلى التشريعات والتدابير القانونية يمنع النساء من شغل أدوار في المجال العام، كما يهدد فعالية وسلامة السياسيات الموجودات في السلطة حاليًا.

قبل إنتخابها للمجلس البلدي في الرمثا في العام ٢٠١٧ من خلال الكوتا النسائية، تم إستبعاد المرشحة الأردنية المستقلة سلام الزعبي من الدعوات إلى حفلات الإستقبال حيث يمكنها التواصل ومناقشة برنامجها الإنتخابي.١١ وقد حدّ تقييد وصولها إلى مثل هذه الفعاليات من قدرتها على تشكيل تحالفات لحملتها.

"النساء ممنوعات من المشاركة فيها إجتماعيًا،" تقول الزعبي، "فقد عارض أناس من قبيلتي مشاركتي في الإنتخابات البلدية لأنني امرأة ومحامية متعلمة ولا أرتدي الحجاب."١٢

بعد إنتخابها، أدركت بسرعة العوائق التي تواجه النساء اللواتي تجاوزن المبادئ الأبوية التي تثنيهن عن الوصول إلى السلطة السياسية. يناقش الرجال بشكل عرضي القضايا المتعلقة بالحكم قبل الجلسات البلدية الرسمية، حيث يتم بعد ذلك إستبعاد النساء من عملية اتخاذ القرارات السريعة بعد الإتفاقات غير الرسمية والإجتماعات بين الرجال.

قوبل عدد لا يحصى من النساء اللبنانيات والأردنيات اللواتي حاولن المشاركة في السياسة والإدارة العامة بمقاومة بسبب تحدّيهن للأعراف. وتقدم تجاربهن مثالًا على البيئة غير الداعمة التي تواجه النساء الساعيات لممارسة حقوقهن السياسية، من الترشح للمناصب القيادية إلى دعم المرشحين. وتشير الأبحاث العالمية التي أجراها الإتحاد البرلماني الدولي١٣ إلى أن أكثر من ٦٥% من النساء في البرلمانات حول العالم تلقين إهانات جنسية و٤٤% تعرضن للتهديد بالقتل والإغتصاب والإعتداء والإختطاف.

وعلى مقربة أكثر منّا، أفادت منظمة العفو الدولية١٤ عن عمليات الاغتصاب المتكررة والعنف القائم على النوع الإجتماعي في ميدان التحرير في مصر والتي تهدف إلى تثبيط النساء عن الإنخراط في السياسة والمشاركة في المظاهرات. وقد أجبرت ١٧ متظاهرة في العام ٢٠١١ على الخضوع لـ"اختبار البكارة" من قبل أفراد الجيش. وفي ٢٠١٢، قام المنتهكون بقطع سراويل النساء وجلدهن بالشفرات. وفي ٢٠١٣، تم الإبلاغ عن العديد من الإعتداءات الجنسية في ميدان التحرير من قبل نساء مصريات وصحفيات أجنبيات. لكن الإفتقار إلى التوثيق والبحث حول العنف السياسي القائم على النوع الإجتماعي في المنطقة، وتأثيره السلبي على المرأة في السياسة، يمنع الرأي العام من مجرّد البدء في الوصول إلى الوعي الضروري الذي يساعد في محاربة هذه الظاهرة.

لودي عيسى صحفية متخصصة بالنشر المتعدد الوسائط، وقد تخرجت من الجامعة الأمريكية في بيروت بتخصص مزدوج في علم النفس/الإعلام والإتصالات. تعمل حالياً مراسلة وكاتبة في وسائل الإعلام الإجتماعي في عدد من المنظمات، كما تشغل منصب محررة في بيروت اليوم، منصة إخبارية مستقلة. إنطلاقاً من رغبتها بتسليط الضوء على الفنون والثقافة في لبنان، شرعت في تطوير سلسلة من المقالات المعمقة مع عدد من الموسيقيين/ات المحليين/ات. كما أنّها مصورة غالباً ما تعثر عليها متعثّرة بالأسلاك في المسارح ودور العرض.

شارا جزار مترجمة وكاتبة للنصوص الإعلانية مقيمة في عمان، الأردن، وتتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية بطلاقة. حازت شارا على درجة بكالوريوس في علم الإجتماع السياسي وشهادتي ماجستير - الأولى في الوساطة بين الثقافات والأخرى في الدراسات الإسلامية والعلاقات المسيحية -الإسلامية. في بداية حياتها المهنية، عملت شارا كصحفية وباحثة قبل أن تنضم إلى فريق عمل مفوضية شؤون اللاجئين/ات في لبنان كمساعدة إعادة توطين. منذ العام ٢٠١١، عملت بشكل رئيسي كصحفية مستقلة. في الوقت الحالي، تعمل شارا مستشارة في الإتصالات لبرنامج تمكين المرأة للقيادة في هيفوس في الأردن.

1 لبلدي هي مجموعة سياسية مستقلة خاضت إنتخابات ٢٠١٨ النيابية من خلال حملة تطوعية ركّزت على "كسر إحتكار الطبقة السياسية الحاكمة المبنية على الزبائنية والمحاصصة الطائفية للمؤسسات الدستورية" حسب موقعها الرسمي على الإنترنت: https://libaladi.com

2مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

3مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

4مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

5مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

6تحالف إنتخابي تشكّل من ٦٦ مرشح/ة مستقل/ة للإنتخابات النيابية اللبنانية للعام ٢٠١٨

7 بين إقصاء الكيانات السياسية وأعباء الأدوار الإجتماعية للنساء: دراسة حالة من لبنان

8 Women’s Political Participation: Exclusion and Reproduction of Social Roles Case Studies from Lebanon https://civilsociety-centre.org/sites/default/files/resources/ls-womenleadership-casestudy-en.pdf

9 في حلقة من "بالمباشر" على قناة أو تي في، وقد تمّ رفع الحلقة في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٨
https://www.youtube.com/watch?v=dksVB7xrgg0

10مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

11مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

12مقابلة أجرتها شارة جزّار في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٨.

13 Sexism, harassment and violence against women parliamentarians https://www.ipu.org/file/2425/download?token=0H5YdXVB

14 Egypt: Gender based violence against women around Tahrir Square https://www.amnestyusa.org/wp-content/uploads/2017/04/mde120092013en.pdf