Main content

بقلم ميسون عمارنة وترجمة ياسر الزيات

يرى معظم الباحثين/ات أن منشأ الحركة النسائية الأردنية يعود إلى بداية القرن العشرين. على سبيل المثال، يجادل نيكولا برات بأن «لدى النساء في الأردن تاريخاً طويلاً من العمل العام يعود إلى ما قبل تأسيس الدولة الأردنية في عشرينات القرن الماضي»،١ وقد إقتصر هذا العمل في مراحله المبكرة على توفير المساعدات الإنسانية للفئات الفقيرة والمحتاجة في مختلف أنحاء المملكة.

إلا أنه وبإستعراض الأدبيات المتوفرة حول تاريخ الحركة النسائية الأردنية، ومشاركتها الطويلة في النضال الوطني من أجل التغيير الإجتماعي والسياسي، يلاحظ المراقب/ة أن هذه الحركة مرت بثلاث مراحل رئيسية؛٢ تأثرت كل منها بالوضع السياسي الداخلي في الأردن، وبالتطورات السياسية والإجتماعية الخارجية في الدول العربية والإقليمية المحيطة.

خلال هذه النضال الطويل، حققت الحركة النسوية الأردنية مكاسب كبيرة في تحقيق المساواة ومكافحة العنف القائم على النوع الإجتماعي وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والعامة. وقد لعبت منظمات المجتمع المدني وما زالت تلعب دوراً هاماً في الترويج لحقوق المرأة وتحدي الصورة النمطية للنساء. تتمتع النساء اليوم، من حيث المبدأ، بحقوق متساوية مع الرجال، حيث تم إلغاء العديد من القيود القانونية المفروضة على النساء كالمشاركة في الحياة العامة وحق التعليم والعمل. وقد جاء ذلك نتيجة للنضال الطويل والمطالب التي رفعتها مجموعة من القياديات والسياسيات النساء، واللواتي دأبن على المطالبة بحقوق المرأة وبالمساواة، الأمر الذي تكلّل بتصديق الحكومة الأردنية على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتعديلها التشريعات الوطنية.٣ غير أن هذا التقدم لا يلبي تطلعات الحركة النسائية لتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات. حيث ما تزال المرأة تعاني من التمييز في القانون والممارسة، في مجتمع تسوده القواعد المحافظة والأبوية والقبلية، وحيث «تتأتى القيود التي تحول دون تمكين المرأة من داخل الأسر والمجتمعات، بما في ذلك قادة المجتمع المحلي».٤

لهذه الغاية، تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على تاريخ الحركة النسائية الأردنية ومسيرة تمكين المرأة عبر مشاركتها في الإنتخابات البرلمانية والبلدية كأحد بنود الأجندة السياسية النسوية في الأردن.

تاريخ الحركة النسائية الأردنية:

مرت الحركة النسائية الأردنية منذ بداية القرن العشرين بثلاث مراحل رئيسية، تأثرت كل منها بعوامل داخلية وخارجية متنوعة، ولا سيما تلك المرتبطة بـ«التحول السياسي، والأزمة الإقتصادية، والأنماط المتغيرة لحيوات النساء، والإهتمام الدولي بقضايا المرأة».٥

شهدت المرحلة الأولى، ١٩٤٤-١٩٧٣، إنشاء أول منظمة نسائية عام ١٩٤٤. ركزت أعمال النساء خلال هذه الفترة على توفير المساعدة الإنسانية للفئات الضعيفة، ولا سيما للاجئين/ات الفلسطينيين/ات.٦ وفي غضون ذلك، حاولت النساء كسر عزلتهن السياسية والإجتماعية داخل المجتمع، ولكنهن للأسف بقين خارج دائرة المشاركة في الحياة السياسية لعدة عقود، وبقين محرومات من ممارسة حقوقهن السياسية. إلا أنه في منتصف خمسينات القرن الماضي، حدث تحول كبير لصالح حقوق المرأة عندما صوت البرلمان لصالح منح النساء الحاصلات على التعليم الإبتدائي حق التصويت، لكن دون حق الترشح، غير أنه تم إلغاء ذلك بعد حل البرلمان وإقالة حكومة سليمان النابلسي عام ١٩٥٧.٧

أما المرحلة الثانية، ١٩٧٣-١٩٨٩، فقد شهدت تغييراً على مستوى المنظمات والأعمال النسائية، حيث كانت النساء أقدر على تعزيز جهودهن. وتميزت هذه المرحلة أيضاً بمشاركة جهات رسمية بعد تأسيس الإتحاد العام للمرأة الأردنية، والذي نقل جهود النساء من المجال الإنساني إلى مجال أكثر تنظيماً.٨ في العام ١٩٧٤، وبعد نضال طويل من قبل الحركات والناشطات النسائيات، حصلت النساء على حق التصويت وحق الترشح للإنتخابات البرلمانية بموجب القانون رقم ٨ لعام ١٩٧٤. وجاءت أول مشاركة نسائية في المجالس الرسمية عام ١٩٧٨، في ما كان يسمى وقتذاك المجلس الوطني الإستشاري، الذي تشكل عن طريق التعيين في ١٩٧٨-١٩٨٤ لملء الفراغ الدستوري. وبعد ذلك قام الملك حسين بتعيين ثلاث نساء في مجلس مكوّن من ٦٠ مقعداً: إنعام المفتي، ووداد بولص ونائلة الرشدان.٩

ثم أتت المرحلة الثالثة، مرحلة ما بعد التحرير الإقتصادي، بدءاً من عام ١٩٨٩. ويمكن إعتبارها الأكثر أهمية على مستوى النهوض بحقوق النساء في الأردن. في هذه المرحلة إنفتحت المزيد من الأبواب للتغييرات المختلفة على مستوى مصالح وأعمال النساء.١٠ فقد كانت إنتخابات عام ١٩٨٩ أول سنة تشارك فيها النساء مباشرة في الحياة السياسية والبرلمانية، رغم أنهن لم يحصلن على أي مقاعد في مجلس النواب. وفي عام ١٩٩٣، كانت توجان الفيصل المرشح الوحيد الذي نجح في إنتخابات مجلس النواب، لتصبح بذلك أول امرأة في البرلمان الأردني.١١

مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة:

عام ١٩٩٢، صادق الأردن على الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي خلقت مساحة للجدل حول السياسات، وحققت بعض الإنجازات، ولو ببطء وبالحد الأدنى. وعلاوة على ذلك، شهدت بداية القرن الحادي والعشرين إنجازات تشريعية مهمة في مجال حقوق المرأة.١٢ وقد إقترن ذلك بتدخل الملكة رانيا وإنخراطها في جهود المناصرة لصالح حقوق المرأة الأردنية عبر مشاركتها في العمل الإجتماعي والعمل الخيري. فقد أعلنت الملكة عن تبني التغييرات القانونية المتعلقة بحقوق المواطنة والتقاعد، قائلة إنها «ستعطي المرأة الأردنية حقوقاً متساوية كما يمنحها لها الدستور».١٣

كذلك قام الملك عبد الله الثاني بتيسير تغييرات مماثلة. ففي عام ٢٠٠٢، وافق الملك على التعديلات القانونية المتعلقة بما يسمى جرائم الشرف.

عام ٢٠١٧، إحتل الأردن المرتبة ١٣٨ من حيث المشاركة الإقتصادية والمرتبة ١٢٦ من حيث التمكين السياسي من أصل ١٤٤ دولة، ما يعني إحتواءه على بعض كبرى الفجوات بين الرجال والنساء عالمياً.١٤ وكان التقدم على مستوى المشاركة السياسية مدفوعاً بالدرجة الأولى بالكوتا المخصصة للنساء بموجب القانون الإنتخابي المعدل لعام ٢٠٠٣. ومع ذلك، كان لجهود المجتمع المدني والحركة النسائية في الأردن أن شجعت المزيد من النساء على الترشح للإنتخابات وحتى تحقيق الفوز في صناديق الإقتراع. وقد إزدادت أعداد ونسب النساء في مجلس النواب بشكل طفيف خلال الدورات الإنتخابية الثلاث الأخيرة نتيجة الكوتا والتحول المحتمل في الأعراف الإجتماعية التي تحكم المشاركة السياسية للمرأة.١٥ في عام ٢٠١٦، كان ١٥.٣٪ من أعضاء البرلمانات في الأردن من النساء، وهي النسبة الأعلى تاريخياً، فقد فازت ٥ نساء بالمنافسة المباشرة (التصويت) وأمنت ١٥ أخريات مقاعدهن من خلال الكوتا.١٦

ومع ذلك، لا تزال هناك عدة سياسات متضاربة، وما يزال الأردن يبدي تحفظه على مادتين من إتفاقية سيداو. في ملاحظتها الختامية بشأن التقرير الدوري السادس للأردن، أعربت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة عن قلقها من «تدني مستوى مشاركة المرأة على جميع مستويات صنع القرار، بما في ذلك داخل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية والخدمة المدنية، ومن عدم إتخاذ خطوات محددة لمعالجة الأسباب الكامنة وراء إستبعاد المرأة من عملية صنع القرار، بما في ذلك المواقف الإجتماعية والثقافية السائدة».١٧ ثم أوصت اللجنة بإعتماد الأردن «تدابير من بينها التدابير الخاصة المؤقتة عملاً بالمادة ٤ (١) من الإتفاقية والتوصية العامة للجنة رقم ٢٥، بما في ذلك تخصيص حِصص للمرأة ووضع مؤشرات ذات أُطر زمنية محددة، من أجل تحقيق هدف المشاركة المتكافئة والكاملة للنساء في الحياة السياسية والعامة وفي صنع القرار على المستويين المحلي والوطني وكذلك في السلطة القضائية وفي سلك الخدمة المدنية».١٨ ومن التوصيات الأخرى قيام الأردن بتنظيم «حملات توعية موجَّهة للمجتمع ككل بشأن أهمية مشاركة المرأة في صنع القرار، بما في ذلك مشاركة النساء المنتميات إلى الفئات المحرومة أو المهمّشة، وتنظيم برامج تدريب وتوجيه بشأن المهارات القيادية ومهارات التفاوض للقيادات النسائية في الحاضر والمستقبل».١٩

أدوات وآليات المجتمع المدني لزيادة المشاركة السياسية للمرأة:

تقوم منظمات المجتمع المدني والحركة النسائية في الأردن بالعمل على نطاق واسع لزيادة عدد النساء المشاركات أو المترشحات للإنتخابات. وقد تم إستخدام أدوات وآليات متعددة لتمكين النساء وإعلاء أصواتهن في السياسة وفي العملية الإنتخابية. ومن هذه الأدوات تحالف «عين على النساء» الذي شكله من قبل معهد تضامن النساء الأردني خلال الإنتخابات البرلمانية لعام ٢٠١٦، وتم تفعيله خلال إنتخابات البلدية واللامركزية عام ٢٠١٧. يتكون التحالف من ٣٦ منظمة مجتمع مدني ومنظمة نسائية، ويهدف إلى رصد ومراقبة الإنتخابات من منظور النساء. وترى قياديات ومنظمات نسائية في التحالف أداة فعالة للنهوض بحقوق المرأة أثناء الإنتخابات ورفع أصواتهن من أجل تمثيل أفضل على الصعيد الوطني.٢٠

بحسب تصريح أسمى خضر، المديرة التنفيذية لمعهد تضامن النساء الأردني، «هدف تحالف عين هو مراقبة الإنتخابات من منظور جندري، وإيجاد وسائل لتشجيع النساء على الترشح لمناصب صنع القرار عن طريق تدريبهنّ وتمكينهنّ من المشاركة في الإنتخابات دون خوف، وكذلك توسيع وعي الناس بأهمية المشاركة السياسية للنساء والقانون الإنتخابي الجديد». وأضافت خضر أن «هدف الإئتلاف دعم النساء للوصول إلى مراكز قيادية على جميع المستويات والأحزاب السياسية والبرلمانية والبلدية».٢١

إلا أن المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ذكرت أن مشاركة النساء في الحياة السياسية والعامة في الأردن ما تزال متدنية ولا تلبي تطلعات الحركة النسوية. ووفقاً للمفوضية تعتبر المشاركة السياسية للنساء ورفع أصواتهن واحدة من أهم أولويات الحركات النسائية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. ولتحقيق ذلك، ثمة حاجة إلى مجموعة من الأدوات الأساسية التي يمكن من خلالها الإرتقاء بأوضاع المرأة سياسياً، وهي تشمل:٢٢

1. ضرورة توفر إرادة سياسية لتوفير فرص عادلة للمرأة في المجالين السياسي والإجتماعي

2. ينبغي على الأحزاب السياسية أن تعطي النساء فرصاً مكافئة لفرص الرجال في تولي المواقع والمناصب السياسية في الأحزاب وعلى مختلف الصعد الأخرى

3. ينبغي تقديم الدعم الإقتصادي للنساء لتمكينهن من الترشح للإنتخابات

4. ضرورة تنفيذ برامج توعية وتثقيف للنساء في مجال الحقوق السياسية، بالإضافة إلى بناء قدرات للنساء المشاركات في هذا المجال

5. ينبغي أن تلعب وسائل الإعلام دوراً إيجابياً في دعم وإبراز قيادة المرأة بشكل عام، ودعم وإبراز جهود الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص.

ختاماً، ورغم النجاحات العديدة التي حققتها الحركة النسوية الأردنية، إلا أنها ما تزال تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتعزيز أوضاع النساء ورفع مكانتهن من حيث التمثيل السياسي والإجتماعي. يتطلب ذلك بذل جهود كبيرة من جانب منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لتنفيذ البرامج القادرة على تمكين المجتمعات ورفع الوعي بحقوق النساء وأهمية مشاركتهن في الحياة السياسية والعامة، ولا سيما نساء المجتمعات المهمشة في المناطق الريفية وفي مخيمات اللاجئين/ات.

ميسون عمارنة خبيرة في التنمية الإقليمية، مع ما يزيد عن ١٥ عام من الخبرة في إدارة البرامج المستدامة في منطقة الشرق الأوسط. تشمل كفاءات عمارنة تطوير إستراتيجيات أعمال مستدامة وتصميم وصياغة برامج موجهة نحو تحقيق النتائج، إجراء دراسات بحثية وتقييم للإحتياجات بشأن عدد من المواضيع منها التمكين الإقتصادي للنساء والفئة الشبابية في المجتمعات المهمشة، وتمكين المرأة في الحياة السياسية والعامة والدراسات المتعلقة بالنوع الإجتماعي؛ رصد وتقييم برامج ومشاريع الإستجابة الإنسانية والطارئة؛ كتابة المفاهيم والمقترحات، وخبرة واسعة في تقديم التقارير للجهات المانحة الدولية بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمفوضية الأوروبية؛ وتخطيط الإستراتيجيات، وتعزيز بناء القدرات لمنظمات المجتمع المدني.

1 Pratt, N (2015), “History of General Women's Work in Jordan between 1946 and 1989”, at <https://www.7iber.com/society/history-of-womens-activism-in-jordan-1946-1989/> (accessed 18th September 2018)

2 Al-Atiyat, I (2003), the Women’s Movement in Jordan: Activism, Discourses and Strategies, p 21.

3 على سبيل المثال، صادق الأردن على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (اتفاقية سيداو) عام 1992.

4 تقرير المقررة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة، أسبابه وعواقبه، رشيدة مانجو، 14 أيار 2012، ص19.

5 Al-Atiyat, I (2003), the Women’s Movement in Jordan: Activism, Discourses and Strategies, p 21.

6 Al-Atiyat, I (2003), the Women’s Movement in Jordan: Activism, Discourses and Strategies, p 55-59.

7 Al-Yasin, R (2016) “ Jordanian Women in Parliament”, at < http://sawaleif.com> (accessed 15th August 2018).

8 Al-Atiyat, I (2003), the Women’s Movement in Jordan: Activism, Discourses and Strategies, p 59-62.

9 Al-Yasin, R (2016) “ Jordanian Women in Parliament”, at < http://sawaleif.com> (accessed 15th August 2018).

10 Al-Atiyat, I (2003), the Women’s Movement in Jordan: Activism, Discourses and Strategies, p 64-65.

11 Al-Yasin, R (2016) “ Jordanian Women in Parliament”, at < http://sawaleif.com> (accessed 15th August 2018).

12 Zaidan, H (2013), “Women’s Rights in Jordan: CEDAW and National Laws”, pp 1-2, at < https://ruor.uottawa.ca/bitstream/10393/26101/2/ZAIDAN%2C%20Haya%2020135.pdf> (accessed 17th August 2018).

13 Jordan Times, November 03, 2002.

14 المنتدى الاقتصادي العالمي، تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2017، الموجز القطري الأردني، جنيف، 2017.

15 Fiscal Reform and Public Financial Management Activity (FRPFM), USAID Publication, 23 April 2018.

16 قاعدة بيانات مجلس النواب الأردني.

17 ملاحظات ختامية على التقرير الدوري السادس للأردن، لجنة الأمم المتحدة المعنية باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، 9 آذار 2017، ص11.

18 ملاحظات ختامية على التقرير الدوري السادس للأردن، لجنة الأمم المتحدة المعنية باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، 9 آذار 2017، ص11.

19 ملاحظات ختامية على التقرير الدوري السادس للأردن، لجنة الأمم المتحدة المعنية باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، 9 آذار 2017، ص11.

20 قاعدة بيانات معهد تضامن النساء الأردني.

21 مقابلة مع أسماء خضر، 10 آب 2018.

22 مقابلة مع المفوضية المستقلة للانتخابات، 14 آب 2018.