Main content

بقلم هناء الشلول

طالما أنّ الصراع الإقتصادي هو السائد في المجتمعات العربية، فإن تحقيق العدالة هو الحل الوحيد لإنهاء هذا الصراع من جذوره؛ وذلك من خلال إنصاف المرأة أمام الرجل دون إجحاف أو تقصير سواء في سوق العمل أو الأسرة. جهود الدولة الأردنية ومؤسسات المجتمع المحلي تكمن في السعي لتحقيق العدالة الإقتصادية ومعالجة المشاكل في المنظومة المؤسسية وتوعية المرأة ووضع قوانين داعمة لتمكينها إقتصادياً ومحاربة العنف الإقتصادي.

يجمع العلماء على أن تعريف "العنف الاقتصادي" (Economic abuse) شكل من أشكال العنف الزوجي حيث يتحكم الزوج في قدرة زوجته وشريكة حياته فتغدو تابعة له وغير قادرة على إدارة ما تملك، إذ يتصرف بشكل غير قانوني بممتلكات الزوجة ويتحكم بذلك دون إعتبار لرغبتها.

الإستغلال الإقتصادي من أكثر إنتهاكات حقوق الإنسان إنتشاراً وتدميراً لمجتمعاتنا. إنّ نسبة شيوع العنف ضد المرأة – سواء كان المرتكب في المنزل أو من قبل المجتمع - لا تزال عالية في مختلف دول العالم خاصة النامية منها. بالتالي، لا بد من إستراتيجيات جديدة ونهج شمولي لتمكين المرأة للعيش بمنأى عن التهديد بالعنف.

الممارسات العنيفة ضد المرأة سلوك مقصود لها، إذ يأخذ عدة أشكال اللفظية منها والجسدية. هذا العنف إنتهاك صريح لمعاني حقوق الإنسان على وجه العموم والمرأة على وجه الخصوص؛ إذ يمنعها من التمتع بأبسط حقوقها. وهذا يعود بعواقب وخيمة تؤثر على المجتمع بأكمله لما يترتب عليه من آثار إجتماعية بالإضافة إلى الآثار الإقتصادية الخطيرة. ومن الجدير بالذكر أنّ العنف ضدّ المرأة لا يَعرف دينًا ولا ثقافة بل هو ظاهرة بشرية.

تعددت المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بمفهوم العنف الإقتصادي وفقاً للمعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين العنف الإقتصادي هو "أي فعل أو سلوك يتسبب في أضرار إقتصادية للفرد ويمكن أن يحدث هذا العنف الإقتصادي: أضراراً في الممتلكات أو تقييدًا في الوصول إلى الموارد المالية أو التعليم أو سوق العمل أو عدم الإمتثال للمسؤوليات الإقتصادية مثل النفقة." ١

قصص لنساء أردنيات (من الغارمات)

ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بقصص لنساء أردنيات ف"فرح"٢ الفتاة العشرينية لم تكن تتوقع أن يتحول فستان عرسها الأبيض إلى ملابس السجن، بعد أقل من عام على زواجها. فرح الآن نزيلة "مركز إصلاح وتأهيل الجويدة" الأردني المخصص للنساء.

ومثلها كانت "منى" التي أوقفتها الأجهزة الأمنية، بسبب بلاغ ضدها بعدما نالت قرض من إحدى الشركات وحالت صعوبة الحياة وتردي الأوضاع الإقتصادية دون تسديد المبلغ منذ العام ٢٠١٥، فدفعت ثمن ذلك بدخولها السجن.

قصتا فرح ومنى مماثلتان لما تمر به آلاف الأردنيات اللواتي ينتظرهن قرار يقضي بحبسهن، أو أنهن سُجنَّ فعلياً نتيجة القروض التي حصلن عليها ولم تستطع أي منهن سدادها.

وكشفت سيدة أردنية تدعى "أم حمزة"، عن مأساة تتعرض لها هي وعائلتها بسبب "فخاخ" شركة الإقراض. في تصريح لها لموقع "الخليج أونلاين "،٣ أشارت أم حمزة إلى أنّ عائلتها بأكملها مطلوبة للقضاء "هي وإبنتاها الإثنتان".

وأوضحت أنها حصلت على قرضٍ قيمته ١٠٠٠ دينار، لترتفع إلى ١٦٠٠ دينار بعد الفوائد. أخذت إحدى بناتها قرضاً قيمته ٥٠٠ دينار لتصبح ١١٠٠ دينار. أما الإبنة الثانية فحصلت على قرضين قيمتهما ١٠٠٠ دينار لتصبح ١٤٠٠ دينار.

أكدت أم حمزة أن سوء الأوضاع الإقتصادية، بالإضافة إلى حريق شب في منزلها، دفعاها إلى الإقتراض، مضيفة: "بسبب عدم تمكننا من تسديد القروض، فإننا مهدَّدات بالسجن، ومن ثم لا نستطيع مغادرة منزلنا لأي سبب كان؛ خشية مصادفة الشرطة في الشارع، ومن ثم إعتقالنا. "

وبلغ عدد الغارمات اللواتي لا يزيد دَين الواحدة منهن على ألف دينار، نحو ٥٦٧٢ غارمة، قدمت بحقهن طلبات للتنفيذ القضائي، في حين بلغ عدد النساء الموقوفات بالسجون على خلفية قضايا ٣٠ إمرأة.

خوفاً من السجن وهرباً من الشرطة التي حضرت لمنزلها بغية إخلائه لعدم سداد الأجور المستحقة، أصيبت امرأة لديها أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ١٠-١٦ عاماً - بالإضافة إلى معاناتها من مرض السرطان - بكسور بعدما قفزت من الطابق الثاني. ما لبثت أن توفت متأثرة بجروحها عن عمر لا يزيد عن ٤٠ عاماً، إلا أنها وبكل أسف توفيت متأثرة بإصابتها، وفقاً لما ذكرته جارتها المحامية زينات الجريري لموقع عمون الإخباري٤.

وأعرب المجتمع الأردني عن حزنه وأسفه الشديدين لوفاة "أم العبد" التي عانت من الفقر والمرض والخوف الدائم من الحبس بسبب تراكم إيجار المنزل، ودفعت حياتها ثمناً لديون قد لا تتجاوز قيمتها مئات الدنانير بعد صدور حكم بإخلاء سبيلها.

من جهتها، قالت مديرة الدراسات في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة فدوى الخوالدة ٥: "غياب الأم عن عائلتها فترة طويلة نتيجة الحبس يعرّض الأسرة لآثار سلبية كبيرة، ويهدد تماسكها ويعرّضها للإنهيار التام".

وأضافت الخوالدة أن قروض المرأة ستؤدي حتماً إلى "مخاطر الإنحراف عند الشباب اليافعين بتزايد غياب الأم عن البيت، إضافة إلى فقدان الأطفال حاجاتهم الضرورية من الرعاية والتغذية والتربية".

كما حذر خبراء إقتصاديون من الجهات المسؤولة في الدولة الأردنية٦ من وقوع النساء فريسة لقروض التمويل الصغيرة، خاصة في ظل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الأردنيون/ات، وهو ما قد يقف حاجزاً أمام نجاح مثل هذه المشاريع.

وطالبوا بضرورة تشديد الرقابة على بعض شركات التمويل المتسببة في هذه الأزمة، مؤكدين أن نسبة نجاح النساء في المشاريع الصغيرة وتجاوُز مرحلة الخطر لا تكاد تُذكر.

تحركات رسمية ودور مؤسسات الدولة

كان جلالة الملك عبد الله الثاني وجه صباح الجمعة لإطلاق جهد وطني لمساعدة الغارمات، وأضاف أنه سيكون أول الداعمين لجهود مساعدة "بناتنا وأخواتنا الغارمات". ٧

دعا الملك الأردني عبد الله الثاني، خلال اتصال له بالتلفزيون المحلي الرسمي مع برنامج "يسعد صباحك" ، إلى بذل جهدٍ وطنيٍ وتشارُك شعبي، لمساعدة الأردنيات الغارمات اللواتي يواجهن ظروفاً مالية صعبة. لم تأتِ دعوة الملك الأردني من فراغ، فبحسب الأرقام التي شوهدت في الآونة الأخيرة من تهالك اقتصادي لنشميات الوطن وحرص جلالته على كرامة المرأة الأردنية وأضاف جلالته : أنه لا بد من "التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي ومؤسسات الإقراض حتى لا تتكرر معاناة الغارمات في المستقبل".٨

دفعت هذه القضية جلالة الملك عبد الله الثاني وبمناسبة عيد الأم إلى إطلاق مبادرة لدعم الغارمات، ولاقت تجاوباً ملفتاً من قبل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد وبشكل خاص مؤسسات التمويل الأصغر، إلى جانب مبادرات سابقة لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي وصندوق الزكاة الأردني اللذان خصصا مبالغ مالية لسداد قروض الغارمات وأخرجا أعداداً منهن من مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا أن الأهم في مبادرة جلالته دعوته الحكومة والبنك المركزي الأردني ومؤسسات الإقراض للتنسيق فيما بينها لوضع حد لمعاناة الغارمات، كون سداد ديونهن يصب في إطار معالجة الآثار والنتائج المترتبة على تعثرهن ولا تعالج المشكلة من جذورها، حيث عادت طلبات التنفيذ القضائي لحبس الغارمات إلى الإرتفاع مجدداً. ٩

وفقاً لمجلس الوزراء، إن الدفعة الأولى من الغارمات اللواتي سيستفدن من حملة أردن النخوة التي جمعت نحو ٢٫٤ مليون دينار تبرعات وطنية لمساعدة الغارمات، يجب أن يخضعن لخمسة شروط. ١٠

وإشترط المجلس أن تكون الغارمة مطلوبة للتنفيذ القضائي لذمم مالية تقل عن ألف دينار، وضرورة توفير إثبات يُفيد بأن ملكية الأسرة وقدرتها المالية لا تمكنها من سداد الدين.

وتكون إستفادة الغارمة من الحملة لمرة واحدة فقط، بمعنى عدم تكرار قضايا الدين، إضافة إلى عدم إرتباط القضية بأي من قضايا النصب والإحتيال والقضايا الجنائية الأخرى.

إشترط مجلس الوزراء على المستفيدة من الحملة ألا يزيد دخل أسرتها عن ٦٠٠ دينار شهرياً.

وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية رئيس مجلس إدارة صندوق الزكاة عبد الناصر أبو البصل، ١٠ وجّه إدارة الصندوق لتشكيل فريق عمل "عاجل" لمتابعة المبادرة الملكية لدعم الغارمات تنفيذاً للتوجيهات الملكية.

أعلن أبو البصل أن اللجنة التنسيقية المشتركة لتنفيذ المبادرة الملكية لدعم الغارمات تضم اللجنة التنسيقية المشتركة، مكونة من صندوق الزكاة، ووزارة العدل، وصندوق المعونة الوطنية، ومديرية الأمن العام.

أبو البصل قال ، لـ " قناة المملكة" إن الحملة الوطنية ستشمل الغارمات اللواتي بحقهن "قضايا مالية فقط، دون تكرار". وأضاف أن حملة جمع التبرعات لا تشمل من بحقهن قضايا جرمية، موضحاً أن المستفيدات من الحملة هن ممن لا يوجد لديهن دخل مالي، ولا يتقاضين رواتب.

يضاف إلى ذلك "حالات إنسانية لغارمات لا يستطعن دفع مبالغ بسيطة مترتبة عليهن"، وفقاً للوزير الذي لم يحدد هذه المبالغ. بيّن أبو البصل أن تلك الأسس والمعايير وضعت بالتشارك مع وزارة التنمية الإجتماعية "لوجود دراسات مشتركة كافية" بين الجهتين.

يشار إلى أن عدد الغارمات اللواتي لا يزيد دين الواحدة منهن عن ألف دينار يبلغ ٥٦٧٢ غارمة، بحقهن طلبات للتنفيذ القضائي، وأن النساء الموقوفات بالسجون على خلفية قضايا مالية عددهن ٣٠ امرأة، سيتم تطبيق المعايير والأسس السابق ذكرها على المطلوبات للتنفيذ القضائي والموقوفات.

قالت مصادر حكومية لقناة المملكة، أن ٥٩٧٦ سيدة غارمة تمت معالجة مشاكلهن من خلال المبادرة الملكية. وتتراوح قيمة الذمم المالية المترتبة عليهن بين (١٠٣٦ ــ ١١٠٠) دينار من الحالات التي تنطبق عليها المعايير والأسس التي إعتمدتها اللجنة. ١٢

كانت هذه المبادرة التطوعية بصمة حقيقية في حل الصراع الإقتصادي الاردني والذي يؤكد على الشعور الوطني والتكافل الإجتماعي لدى أبناء الشعب الاردني للوقوف معًا في الدفاع عن قضايا المرآة وحمايتها .

1
وفقاً لموقع اللجنة الوطنية لشؤون المرأة

https://www.women.jo/DetailsPage/JNCW_Ar/TendersAr.aspx?ID=3101

٤ وفقاً لموقع عمون الإخباري: https://www.ammonnews.net/article/521676

٧ وفقاً لموقع الرأي الرسمية: http://alrai.com/article/10475609

٨ وفقاً لموقع الرأي الرسمية: http://alrai.com/article/10475609

٩ وفقاً لموقع الرأي الرسمية: http://alrai.com/article/10475609